tody24 tody24
recent

Latest News

recent
random
جاري التحميل ...

التسوية السيلمية للنزاعات الدولية

 













    

مقدمــــــــــة

       الأمن والسلم الدوليين هما الركيزتان الأساسيتان لوجود مجتمع دولي معاصر ترتفع به راية العدالة بين الدول والشعوب، ولإنجاز هذه المهمة المزدوجة يجب توفر الإرادة السياسية اللازمة لدى الأطراف المتنازعة وكذلك الالتزام بما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والقاضي بضرورة فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية.

       إن مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية بعد من أهم المحاور الأساسية التي تم تداولها في مؤتمري لاهاي للسلام ومنذ ذلك الوقت تولدت القناعة التامة لدى العديد من الخبراء والمتخصصين في مجال التنظيم الدولي بأن يتم اللجوء إلى الطرق السلمية لفض المنازعات بين الدول، وبعد وقوع الحربين العالميتين الأولى (1914 - 1918م)، والثانية ( 1939 - 1945م) وإخفاق أول منظمة دولية وهي عصبة الأمم التي أنشئت في عام 1922م في تسوية بعض النزاعات الدولية وتحقيق الانسجام في العلاقات الدولية بين الدول، حيث سعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية لوضع قواعد وآليات جديدة لتسوية المنازعات الدولية، حيث تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر 1945م والتي جاء في ميثاقها بأن يتم فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية بعيداً عن اللجوء إلى الوسائل القسرية إلا ما أستثني بموجب ميثاق الأمم المتحدة إلا أنه ونتيجة لهيمنة عدة دول على اتخاذ القرار داخل أروقة هذه المنظمة وعدم التزامها أحياناً بقواعد وأحكام القانون الدولي لأنها تتعارض مع مصالحها كل ذلك جعل من المشهد السياسي الدولي يعاني من عدم الاستقرار وهيمنة الدول الكبرى عليه مما ترتب عليه وجود خلل كبير في العلاقات  بين الدول.

       النزاع الدولي هو كل خلاف بين دولتين أو أكثر في مسألة قانونية ( النزاع الذي ينشأ من الاختلاف في تفسير معاهدة) أو واقعة مادية، وهو كل تعارض في المصالح المادية والسياسية و يكاد يكون من المستحيل الوقوف على كل أسباب المنازعات الدولية وعواملها .

       تختلف النزاعات الدولية في طبيعتها وأسبابها التي تؤدي إلى اندلاعها وتطورها و كذلك تختلف من فترة زمانية إلى أخرى، فالنزاعات الدولية التي سادت قبل الحرب العالمية الأولى وتحديدا الحقبة الاستعمارية تميزت بطبيعة جيوسياسية مندفعة باتجاه السيطرة على المصادر والنفوذ والقيادة .

      بينما تميزت الصراعات ما بعد الحرب العالمية الأولى بطبيعتها الإيديولوجية سواء بالنارية كقومية المانية أو صراع عقائدي إيديولوجي رأسمالي - شيوعي فيما تلا الحرب العالمية الثانية وساد حتى انتهاء الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي سادت طبيعة جديدة للنزاعات التي تلت الانهيار وأهمها الاثنية التي دفعت الكثير من المجموعات ذات الهويات المختلفة إلى البحث عن الانفصال و الاستقلال والى غير ذلك .

      و ينجم النزاع الدولي عن تصرف الدولة و إخلالها بمبادئ القانون الدولي وبحقوق الدول الأخرى ، ولقد كانت الدول في ظل القانون الدولي التقليدي تلجأ إلى وسائل الإكراه لحل النزاعات التي تنشأ فيما بينها وذلك باللجوء إلى استخدام القوة المسلمة .

      ومع تطور المجتمع الدولي تطور القانون الدولي باطراد وأصبح استخدام القوة لفض النزاعات الدولية محظور ووقع التزام على عاتق الدول بحل خلافاتها بالطرق الودية )، وقد اتجهت جهود الساسة من محبي السلام منذ أواخر القرن الماضي إلى إحلال الوسائل السلمية محل القوة في تسوية النزاعات وعقدت لهذا الغرض مؤتمرات كبرى مثل مؤتمرات لاهاي 1899-1907 وفيها تقررت مجموعة من الأحكام لتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية .

      وقد بينت الاتفاقات الكبرى التي أبرمت منذ مؤتمر لاهاي الإقرار السلام مؤدى الكثير من هذه الوسائل وما يتصل بها من إجراءات وأحكام فتكلمت اتفاقية لاهاي الأولى 1907 عن الوساطة و الخدمات الودية ( المساعي الحميدة التحقيق والتحكيم ).

      اقر القانون الدولي العام منذ عهد عصبة الأمم مبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية سعيا منه إلى نزع شرعية استخدام القوة مستقبلا ليكرسه فيما بعد ميثاق منظمة الأمم المتحدة، و بذلك يفقد استخدام القوة علته وشرعيته في حل أي نزاع دولي .

       إذ قضت المادة الثانية من الفقرة الثالثة من ميثاق الأمم المتحدة بأن" يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالطرق السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر''، وقد عددت المادة الثالثة والثلاثون هذه الوسائل، إذ يتعين على أطراف أي نزاع من شأنه أن يستمر أن يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية .

       لقد حدد هذا المبدأ الوسائل السلمية المتاحة لذلك، فأناط للقضاء الدولي والتحكيم الدولي الدور الأساسي لحل المنازعات الدولية وحث الدول على اللجوء إلى هذه الأساليب باعتبارها الأطر الكفيلة و الملائمة لمعالجة شاملة للنزاع في إطار قواعد القانون الدولي ويعبر بحق عن أدوات فعالة لتجنب تحقق المواجهات المسلحة بين الكثير من الدول .

        فحل النزاعات الدولية في الوقت المعاصر يعتمد أساسا على تطبيق قواعد القانون الدولي المنبثقة عن التشريعات الدولية والأعراف و المعاهدات الدولية .

         المنازعات الدولية كثيرة منها ما هو تقليدي وأهمها ما يتعلق بالحدود الأقاليم، جرائم الحرب، حقوق الإنسان، التجارة الدولية .... الخ، ومنها ما هو حديث كالمنازعات الفنية وعلى رأسها المنازعات البيئية التي شهدت تطورا كبيرا في العقود الأخيرة تماشيا مع تطور التحديات والقضايا البيئة والانتهاكات الكبيرة الدول.

         وهذا ما جاء في تقرير محكمة العدل الدولية لسنة 2005-2006 حيث ذكرت أن مواضيع القضايا المعروضة عليها تختلف اختلافا شديدا فالى جانب المنازعات التقليدية على الأراضي ومنازعات تعيين الحدود البرية والمنازعات المتعلقة بمعاملة الدول الأخرى للمواطنين ، تعرض على المحكمة في الوقت الراهن قضايا تتعلق بمسائل رائدة من قبيل ادعاءات الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان بما فيها ادعاءات الانتهاكات الجماعية أو ادراة الموارد الطبيعية المشتركة .

          و خدمة لغرض تحليل هذا المحتوى تحليلا علميا منهجيا، فإن تناولنا لموضوع حل النزاعات الدولية سوف يتركز على محوريين أساسيين:

المبحث الأول :الآليات الدبلوماسية و السياسية لتسوية النزاعات الدولية

المبحث الثاني: الوسائل القضائية لتسوية النزاعات الدولية و التحديات التي تواجهها    

- الإشكالية:

          ينطلق البحث في الموضوع من إشكالية الرئيسة : ما هي الوسائل التي اعتمدها القانون الدولي كبديل لاستعمال القوة و مدى فعاليتها في ظل التطورات الحاصلة في القانون الدولي.

و تتفرع هذه الإشكالية الرئيسية إلى:

- ما هي الوسائل السلمية التي اعتمدها القانون الدولي لتسوية نزاعاته

- إلى أي مدى وفقت هاته الوسائل في حل النزاعات؟

- ماهي  التحديات التي تواجهها هذه التسوية السلمية للنزاعات

- المنهج :

اتبعنا المنهج الوصفي التحليلي في هذه الدراسة باعتباره المنهج الأكثر ملائمة في وصف و تحليل المشكلة المطروحة والإلمام بمختلف جوانب الموضوع .

 

المبحث الأول: الآليات الدبلوماسية والسياسة لتسوية النزاعات الدولية.

    تعد النزاعات الدولية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، نظرا لما تخلفه من آثار مدمرة على الأمن والسلم العالميين. وقد دفعت خطورة هذه النزاعات، منذ نشوء النظام الدولي الحديث، إلى تكثيف الجهود نحو إيجاد آليات فعالة لتسويتها بطرق سلمية، تجنبا للتصعيد واللجوء إلى القوة. وتعتبر الآليات الدبلوماسية والسياسية من أهم الوسائل التي يعتمد عليها المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف، لما تتميز به من طابع تفاوضي وحلول توافقية تساهم في المحافظة على العلاقات الدولية واستقرار النظام الدولي.

وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين رئيسيين، يتناول المطلب الأول الآليات والأدوات الدبلوماسية المستخدمة في تسوية النزاعات بالطرق السلمية، كالمفاوضات، الوساطة، والمساعي الحميدة،والتحقيق والتوفيق، والتي تعتمد على التفاعل المباشر بين الأطراف المتنازعة. أما المطلب الثاني فيسلط الضوء على الآليات والوسائل السياسية لتسوية النزاعات الدولية، وذلك من خلال إبراز دور المنظمات الدولية والإقليمية، التي تعكس الطابع المؤسسي لتسوية النزاعات في إطار الشرعية الدولية.

 المطلب الأول: الآليات والأدوات الدبلوماسية لتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية.

تعد الوسائل الدبلوماسية، أو ما يطلق عليها بالوسائل السياسية لكونها، من أفضل الوسائل التي تؤدي إلى تسوية النزاعات الدولية، بدون أن تسبب كوارث تصيب البشرية. وقد تعيد الوسائل السياسية الأطراف المتنازعة إلى أفضل العلاقات الدولية بينهما، وتحقق المصالح المشتركة بين الدول. كما تعد التسوية السلمية للنزاعات الدولية أحد الركائز الأساسية في القانون الدولي المعاصر، حيث تسعى الدول إلى تجنب اللجوء إلى القوة من خلال توظيف مجموعة من الآليات والأدوات الدبلوماسية التي تهدف إلى تحقيق التفاهم وتجاوز الخلافات، وتبرز أهمية هذه الآليات في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتعزيز العلاقات الودية بين الشعوب، انسجاماً مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

   وتتنوع هذه الوسائل الدبلوماسية بين أدوات مباشرة وأخرى غير مباشرة، من أبرزها المفاوضات والمساعي الحميدة(الفقرة الأولى) التي تقوم على الحوار المباشر أو تقديم أطراف ثالثة مساعدات لتقريب وجهات النظر، بالإضافة إلى الوساطة والتحقيق والتوفيق(الفقرة الثانية) التي تمثل وسائل أكثر تنظيماً وحياداً، تستخدم عند تعقد النزاعات وتعذر حلها عبر الطرق التقليدية، ما يجعلها أدوات حيوية لتحقيق حلول سلمية ومستدامة.

الفقرة الأولى: المفاوضات والمساعي الحميدة.

أ‌-       المفاوضات:

تتضمن كلمـة " المفاوضـات " باللغـة العربيـة جـانبي الأخـذ و العطـاء. تعـني بالغـة الإنكليزيـة " العمليـة الـتي تقـوم علـى اجتمـاع طـرفين أو أكثـر لإجـراء مباحثـات بهدف التوصل إلى اتفاق حول قضية ما. ولها تعريفات كثيرة، منها :

·       عملية يحاول أطراف النزاع من خلالها حل النزاع و التوصل إلى اتفاق.

·       مرحلة من مراحل الحوار قبل الوصول إلى اتفاق.

تعتـبر المفاوضـات عمليـة إراديـة اختياريـة تقـوم علـى الحـوار أو المناقشـة، وقـد يـتم مـن خـلال المواجهـة المباشـرة أو الغـير المباشـرة، وقـد تكـون بالكلمـة أو الإشـارة أو بكلتيهمـا معـا. ويجـري عـادة بين الطرفين أو أكثر، بهدف التوصل إلى اتفاق شفوي أو مكتوب تتم فيه تسوية النزاعات[1]. وتعـد المفاوضـات مـن أولى الوسـائل السـلمية الدبلوماسـية لفـض المنازعـات الدولية ، داخليا و دوليا ، و يقوم بالمفاوضات الدبلوماسية رؤساء الدول أو وزراء الخارجية، أو من يوكل إليهم القيام بتلك المهمة، أو يكون ذالك داخل مؤتمر دولي يعقد بقصد البحـث عـن التسـوية لإحدى المشاكل الدولية، و يتم اللجوء إلى المفاوضات لعدم مقدرة أي طرف في فرض حـل إرادتـه المنفردة على الطرف الآخر نتيجة لتكافؤ موازين القوى أو لأي عوامل أخرى[2].

ويتولى المفاوضات عادة ممثلون رسميون لأشخاص القانون الدولي ممن يتولون نشاطا دبلوماسيا، و يتولاها في الأصل رئيس الدولة أو من يفوضه من السياسيين كرؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والبعثات الخاصة و التمثيليات الدبلوماسية والخبراء وغيرهم من الأشخاص المفوضين حسب طبيعة موضوع التفاوض و أهميته للدولة، وتتم المفاوضات الخاصة بتسوية المنازعات الدولية من خلال الاتصالات والمناقشات وتبادل وجهات نظر الأطراف المعنية والاستشارات المنظمة على المستوى الثنائي  أو المتعدد الأطراف بغية التوصل إلى حل للنزاع يقبله الأطراف[3]. وقد فرضت بعض الاتفاقيات الدولية التزاما على الدول الأطراف فيها، بان تجري فيما بينها مفاوضات أو مشاورات، أو تبادل الآراء عند نشوب أي نزاع، نذكر منها على سبيل المثال: اتفاقية فيينا لعام 1975 الخاصة بتمثيل الدول في علاقاتها مع المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي، حيث نصت في المادة 84 على أنه:" في حالة نشوب نزاع بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف، نتيجة لتطبيق أو لتفسير هذه الاتفاقية، تجرى مشاورات فيما بينها بناء على طلب أي منها، وتتم بناء على طلب أي من أطراف النزاع دعوة المنظمة أو المؤتمر للمشاركة في المفاوضات[4]

تعتبـر المفاوضات من أقـدم الطرق في فض وتسوية المنازعات الدولية وأيضا أكثرها قبولا في أطراف المنازعة. ومن المعترف به أن المفاوضات تحتل المركز الأول بين الوسائل السلمية الأخرى لتسوية المنازعات الدولية. وهذا ما أكدته بالذات المادة 33 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، ويؤكد الغالبية العظمى من الفقهاء هذه المسألة رغم محاولة البعض التقليل من أهميتها. وأن المفاوضات يمكن أن تقود إلى نتيجتين:

-         حل النزاع بصورة مباشرة .

-         التوصل إلى اتفاق حول تطبيق أي وسيلة لحل النزاع.

وكذلك يمكن استخدام المفاوضات بهدف حصر المواجهة أو حل النزاع جوهريا. ومن أجل أن تكون المفاوضات ذات فاعلية وتحقيق المهام المطروحة أمامها لا بد من الأخذ بعين الاعتبار العديد من الشروط، بحيث أن نجاح أية مفاوضات لابد أن تكون هناك رغبة وإرادة في التوصل إلى اتفاق حول القضايا المتنازع حولها، وهذا بدوره يتطلب درجة معينة من الثقة المتبادلة بين الطرفين ومعرفة التعامل مع المصالح المتبادلة للطرفين، وكذلك يلعب اختيار وقت إجراء المفاوضات دورا بالغا في نجاحها. بحيث أن اللحظة التي تتسم فيها العلاقات بالشفافية واللين هو الوقت الأكثر ملاءمة للمفاوضات.

ومن أحد الشروط لإجراء المفاوضات فعالة عدم تقديم أية شروط أولية من قبل طرفي النزاع، لأن وضع الشروط المسبقة من أي طرف يدل على سعي ذلك الطرف للحصول على مكاسب من جانب واحد على حساب مصالح الطرف الآخر، ويعتقد العديد من الفقهاء أن تقديم الشروط المسبقة يمكن أن يفسر بعدم وجود رغبة صادقة كافية لحل النزاع أو انعدام الثقة بين الطرفين. كما أن المفاوضات تتطلب نوع من التنازل للتوصل إلى حل مقبول من جانب الطرفين[5].

وتتميز المفاوضات الدولية بجملة من الخصائص يمكن تناولها كما يلي:

-         المرونة: تجري المناقشة بين أطرافه بصفة مباشرة وفقا لمصالحهم المشتركة، بحيث يطلع كل طرف على رأي الطرف الأخر.

-         السریة:  تحاط بعض المفاوضات بالسرية و الكتمان من قبل أطرافها بغية إبعادهـا عن التأثيرات الخارجية و المصالح الدولية الأخرى.

حري بالذكر أن المفاوضات الدولية التي تجري من أجل حل نزاع دولي معين قد تكون علنية، وقد تكون سرية، فالمفاوضات العلنية هي التي تجري على مسمع وعلم الرأي العام الدولي، مثل المفاوضات التي تمت خلال مؤتمر مدريد للسلام بتـاريخ 31 أكتوبر، 1991 والذي عقد من أجل التوصل إلى حل النزاع العربي الإسرائيلي. أمـا المفاوضات السرية فهي تدور في الخفاء ولا يعلم بها الرأي العام الدولي، و يحمل فيها الأطراف غالبا أسماء وهمية غير حقيقية، كما أنها تجري عادة تحت رعاية دولة ثالثة و تكون ضرورية عندما يكون الموضوع معقدا و حساسا.

-         السرعة: تتطلب المفاوضات عادة، سرعة الإجراء و الإنجـاز، لأن طبيعـة العلاقـات الوديـة بـين الطـرفين تستدعي تسوية مبكرة للنزاع بقصد تهدئة التوتر وإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي. وقد نهجت بعض الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف نهجا يفرض التزاما علــى الدول الأطراف فيهـا، بأن تجري فيما بينها مفاوضات ، أو مشاورات أو تبادل الآراء ، كلما نشأ نزاع بينها[6].

وتعتمد المفاوضات على مراحل متعددة منها:

·       تشخيص القضية التفاوضية و تحديدها:  أي التعرف على جميع العناصر و العوامل المؤثرة في القضية التفاوضية أو الموضوع محور التفاوض، واستكشاف نوايا واتجاهات الطرف الآخر بهدف التوصل إلى نقطة التقاء المصالح، لتكون بمنزلة الأرضية المشتركة لبدأ العملية التفاوضية. وعادة تساعد المفاوضات أو المباحثات أو اللقاءات التمهيدية في التعرف على نوايا الأطراف المتنازعة، و في تغيير اتجاهات وآراء أطراف التفاوض.

·       تهيئة المناخ التفاوضي، أو توفير المناخ المناسب لبدء العملية التفاوضية: وهي خطوة مستمدة وممتدة تشمل كامل الفترات الأخـرى التـي تتم الاتفاق النهائي عليها وحتى المكاسب الناجمة عن عملية التفاوض وفيها خلق جو من التجاوب والتفاهم بين الطرفين.

·       قبول الأطراف المتنازعة للتفاوض، لإقناعهم بأن التفاوض هو الطريق الوحيد والممكن أو الأفضل لحل النزاع.

·       بدء عمليات التفاوض: وتعنى هذه المرحلة بتحديد الأطراف التفاوضية واختيار الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة لإجراء المفاوضات.

·       الوصول إلى الاتفاق الختامي وتوضيحه[7].

إن المفاوضات هي وسيلة لتبادل الرأي ببن دولتين متنازعتين بغية إيجاد تسوية سلمية للنزاع، وغالبا ما تجري عملية التفاوض تحت إشراف الأمم المتحدة أو تحت إشراف منظمات إقليمية، وذلك لتشجيع الأطراف المتنازعة على متابعة المفاوضات والوصول إلى حل سلمي[8].

ب‌- المساعي الحميدة:

      يقصد بالمساعي الحميدة العمل الودي الذي تقوم به دولة ثالثة تربطها بالدول أطراف النزاع علاقة الصداقة للتخفيف من حدة النزاع والتوتر بينهما وخلق جو يمكن أطراف النزاع من استئناف المفاوضات،  ويلجأ إليها عندما تفشل المفاوضات أو عندما يكون هناك نـزاع دولـي ويسفر عنه سحب السفراء أو قطع العلاقات الدبلوماسية وعجز أطرافه عن حله، ومنه يقوم طرف ثالث من تلقاء نفسه أو بطلب من الطرفين المتنازعين أو أحدهما لعرض مساعيه الحميدة [9].

وقد سبق أن نصت اتفاقية لاهاي المبرمة في 18 أكتوبر 1907 بشان التسوية السلمية للمنازعات الدولية في المادة 2 على: "وجوب لجوء الدول المتعاقدة إلى المساعي الحميدة ... لحل النزاع القائم بين الدولتين". وجاء أيضا في المادة 3 منها أن "هذه المساعي لا تعتبر عملا غير ودي" وأما المادة 6 من الاتفاقية فذكرت بأن المساعي الحميدة تحمل طابع النصيحة والمشورة فحسب، ولا تتمتع بصفة إلزامية ، وتجدر الإشارة إلى أن قواعد المساعي الحميدة لم تقنن إلا في مؤتمري لاهاي الأول لعام 1899 والثاني لعام 1907 وقد تضمن اتفاقيتين خاصتين بالوسائل السلمية لتسوية المنازعات بين الدول[10].

وما يجدر ذكره أن ميثاق الأمم المتحدة في المادة 33 لم يأت على ذكر المساعي الحميدة عندما عدد أهم الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية، ولكن الفقرة الأخيرة من تلك المادة تشمل ضمنيا المساعي الحميدة لأنهـا تسمح للدول باختيار أية وسيلة أخرى تهدف إلى تسوية نزاعاتها سلميا. وأتيح للأمين العام للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة استخدام المساعي الحميدة لتسوية العديد من الخلافات والمنازعات التي اندلعت في مختلف أرجاء العالم.[11]

 وتهدف  المساعي الحميدة إلي تحقيق الأهداف التالية:

-          منع الدول المتنازعة من استخدام القوة بينهما وحل النزاع بصورة سلمية.

-          وقف استخدام القوة وإنها حالة الحرب بين الدول المتنازعة.

مثال لذلك قبول هولندا وإندونسيا في أغسطس1947 المساعي الحميدة للولايات المتحدة بقصد وضع حد للعمليات الحربية التي كانت مسرحها إندونسيا منذ21 يوليو1947، وتكون للمساعي الحميدة أهمية كبيرة عندما يؤدي النزاع بين الدولتين المتنازعتين إلي قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، يهدد باللجوء إلي استخدام القوة بينهما في الدولة التي ويصبح النزاع خطير يهدد باللجوء إلي استخدام القوة بينهما في الدولة التي تقدم مساعيها ألا تكون طرف في النزاع أو منحازة إلي أي من الدولتين المتنازعتين ويجيز أن تكون علاقتهما جيدة معهما وصديقة لهما[12].

ومن أمثلة دور المساعي الحميدة في التسوية ما قام به الرئيس المصري الأسبق (حسني مبارك) من مساع لتسوية النزاع الحدودي بين السعودية وقطر، حيث أن جذور هذا النزاع قديم بسبب وجود بعض المناطق الغنية بالنفط بين حدود البلدين، وزادت وثيرة هذا النزاع ثم توقف، إلى أن طفا مرة أخرى في عام 1992 بسبب تثبيت الخط الحدودي على الأرض بين البلدين مما ترتب عليه وقوع بعض المناوشات على الحدود بينهما، وأسفرت المساعي المصرية إلى عقد قمة بين السعودية وقطر في المدينة المنورة بتاريخ 20 ديسمبر1992 وبذلك انتهى النزاع وتكلل بترسيم الحدود بين البلدين[13].

وتمتاز المساعي الحميدة بعدة خصائص يمكن تناولها فيما يلي[14]:

- تنحصر مهمة الطرق الثالث القائم بالمساعي الحميدة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة دون التدخل في موضوع النزاع. وقد تتحدد مهمته في إقناع الأطراف المتنازعة بإجراء المفاوضات المباشرة بينهما.

- تكون المساعي الحميدة مهمة وفعالة عندما يرفض الطرفين المتنازعين الالتقاء مع بعضهم البعض للتفاوض.

- تعد المساعي الحميدة قد أدت غرضها بمجرد التقاء الأطراف المتنازعة والتفاوض المباشر، دون أن يتطرق من يقدم المساعي الحميدة إلى أصل النزاع.

- المساعي الحميدة وسيلة سياسية تصلح للمنازعات السياسية كما أنها تصلح للمنازعات القانونية. إذ أنها تعمل على لقاء الأطراف المتنازعة دون التدخل في أصل النزاع.

 - تعتمد المساعي الحميدة على شخصية الطرف الثالث الذي يتولى القيام بها وما يتمتع به من احترام الأطراف. إذ تقوم الدول المتنازعة بقبول المساعي الحميدة ليس من أجل النزاع بل لإرضاء المجتمع الدولي بأن كل منهما يرغب في تسوية النزاع.

 - المساعي الحميدة لا تحل النزاع و إنما تقف عند حد جمع الأطراف وحثهم على التفاوض.

وحيث أن وسيلة المساعي الحميدة في حل النزاعات الدولية محدودة في تنقية الأجواء بين الأطراف المتنازعة وتقريب وجهات النظر وحدها على إنهاء النزاع بالوسيلة السلمية التي تراها مناسبة دون ضغوطات أو تدخل في شؤونها الداخلية لكن إذ قدر للمساعي الحميدة أن تنجح في تقريب وجهات النظر فمن الممكن أن تتحول إلى وساطة متى وافقت الأطراف المتنازعة على ذلك وفي هذه الحالة تتغير مهامها من حيث إمكانية التحرك بهدف تسوية وحل النزاع[15].

ويمكن الإشارة إلى الجهات الدولية التي يحق لها تقدم مساعيها الحميدة وهي :

-         الدول التي يخصها النزاع: وهي الدول التي تتأثر من النزاع دون أن ينشأ بينهما نزاع فعلي. ومن الدول التي يخصها النزاع أيضا، الدولة المجاورة للدولتين المتنازعتين، أو لأحدهما.

-         الدول التي لا يخصها النزاع، ويجوز لها عرض مساعيها حتى أثناء نشوب الأعمال القتالية بين الدولتين المتنازعتين.

-         المنظمات الدولية أن تعرض مساعيها على الدول المتنازعة.

-         شخص له أهمية وعلاقة بين الدولتين المتنازعتين. فقد يقوم بالمساعي الحميدة رئيس دولة، أو رئيس وزراء.

-         رجال الدين المعتمدين والذين لهم محل اعتبار لدى الدول المتنازعة، مثل شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان اللذان كان لهما الدور الكبير في تسوية المنازعات بين الدول الأوروبية.

-         منظمات المجتمع المدني الدولية. مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة العفو الدولية، وأطباء بلا حدود[16].

ونخلص إلى نتيجـة أن المساعي الحميدة تبقى مرهونة بإرادة أطراف النزاع فهم يتمتعون دائما بحرية الأخذ بها أو رفضها، ولهذا اعتبر البعض أن المساعي الحميدة ليست سوى مبادرة طيبة تهدف إلى مساعدة الأطراف المتنازعة ليقبلوا على المفاوضات أو يستأنفوها.

 الفقرة الثانية: الوساطة والتحقيق والتوفيق.

أ‌-       الوساطة:

فالوساطة هي عمل ودي تقوم به دولة ثالثة أو منظمة دولية أو إقليمية من أجل حل
نزاعات قائم بني دولتين أو أكثر عن طريق الاشتراك بالمفاوضات التي تتم بين الطرفين المتنازعين، لتقريب وجهات النظر بينهما ووضع حلول مناسبة لحلها، وأيضا المشاركة في تقديم المقترحات التي يكون من شأنها المساهمة في التوصل إلى حل وسط مقبول من جانب هذه الأطراف المتنازعة، كما يلاحظ أن الوساطة تفضل في أحوال كثيرة "المفاوضات" مع استخدام الوسيط الضغوط والإغراءات لأطراف النزاع للوصول إلى حل سلمي يرضي الطرفين المتنازعين.
وتختلف الوساطة عن المساعي الحميدة، هو أن الطرف الثالث الذي يقوم بالمساعي
الحميدة يكتفي بتقريب وجهات النظر بين الدولتين المتنازعتين، وحثهما على استئناف
المفاوضات بينهما لتسوية النزاع من دون أن يشترك هو في ذلك. في حين أن الدولة أو الطرف الثالث الذي يقوم بالوساطة في المفاوضات التي تتم بين الطرفين المتنازعين لها أن تقترح الحلول التي تراها مناسبة في تسوية النزاع إذا تأكدت أن هذه المقترحات تساعد أطراف النزاع على التوصل إلى نتائج مقبولة
[17].

إن مفهوم الوساطة يشير إلى قيام جهة أو طرف دولي معين بمحاولة التوفيق بين أطراف النزاع، ليس فقط من خلال جمعهم على مائدة المفاوضات كما هو الحال بالنسبة للمساعي الحميدة، وإنما المشاركة في تقديم المقترحات التي تكون من شأنها المساهمة في التوصل إلى حل وسط مقبول من جانب الأطراف المتنازعة[18].

ولقد نص على الوساطة كوسيلة لحل النزاعات الدولية في العديد من المواثيق الدولية، ومنها اتفاقيتا لاهاي لعامي 1889 و 1907 الدولية بالطرق الخاصة بتسوية المنازعات السلمية، التي طرحت مفهوم الوساطة وضبطت قواعد ممارستها، حيث اعتبرتها مجرد مشورة غير إلزامية سواء أتمت عفويا، أم بناء على طلب إحدى الدول المتنازعة، ونصت أيضا على أن الوساطة لا تعتبر بحد ذاتها عملا غير ودي، وأنه يحق للدول إعادة عرض وساطتها رغم رفضها أول مرة. وأحدثت المادة الثانية من اتفاقية 1907 مبدأ اللجوء إلى الوساطة والإفادة منها قبل الاحتكام إلى السلاح، غير أنها قيدت هذا المبدأ بعبارة بقدر ما تسمح به الظروف[19].
والصفة الأساسية للوساطة تتمثل في كونها اختيارية وهذه الصفة الاختيارية تسود كل نظام الوساطة من حيث :

-         قيام الدولة الوسيطة بها، التي لا تعتبر ملزمة بمنح وساطتها.

-         تصرف الدول المتنازعة التي تعتبر هي الأخرى حرة تماما في أن ترفض عرض الوساطة.

-         نتيجة الوساطة ذاتها التي على النقيض من التحكيم ليست لها قوة إلزامية ولا تفرض على الأطراف المتنازعة.

وقد جرت محاولات لإضفاء الصفة الإلزامية على هذه الطريقة إن لم يكن بالنسبة للقرار فعلى الأقل بالنسبة للالتجاء إليها. وفيما يلي بعض تلك المحاولات:[20]
-  فالمادة 8 من معاهدة باريس في 30 مارس 1856 كانت تضع مبدأ الوساطة
السابقة فيما بين الدول الموقعة من أجل تسوية الصعوبات التي يمكن أن تظهر بين تركيا وإحدى دول الوفاق الأوربي.

-         فرضت المادة 2 من الوثيقة العامة المبرمة في برلين في 26 فبراير1885 على الدول الموقعة عليها تعهدا بالالتجاء للوساطة من جانب دولة أو أكثر من الدول الأخرى في حالة قيام نزاع خطير بينهما فيما يتعلق بالأقاليم الداخلة في حوض الكونغو المتفق عليه.
-  ذهبت مؤتمرات لاهاي لأبعد من ذلك في هذا الخصوص المواد 2-8 من الاتفاقية الأولى في 18 أكتوبر 1907 وهي تكرر أحكام الاتفاقية الأولى في 29 يوليو1899 وكان نشاطها مزدوجا.
ومن حيث تنظيم الوساطة، فسواء كانت الوساطة تلقائية أو مطلوبة فان لها فقط صفة المشورة وليس لها على الإطلاق قوة إلزامية. وممارسة حق الوساطة لا يمكن أن يعتبر عملا غير ودي. وحتى لو رفض عرض الوساطة فإن للدول الأخرى أن تجدده بغير حدود. وتضع اتفاقية 1907 على الأخص المادة 2 مبدأ الالتجاء "المفيد والمرغوب فيه" إلى الوساطة قبل حمل السلاح ولكن ذلك فقط في حالة ما إذا كانت الظروف تسمح به. وقد اعتبرت هذه الفقرة الأولى تزيدا من الاتفاقية يضعف قيمة التعهد بالالتجاء إلى الوساطة
[21].

وتتخذ الوساطة كوسيلة دبلوماسية لحل النزاعات الدولية العديد من الأشكال، تتمثل أهمها فيما يلي :
- الوساطة الجماعية: وهي تلك الوساطة التي تتم عن طريق تدخل عدة دول أو أشخاص لتسوية نزاع ما بناء على طلب من الأطراف المتنازعة أو بموافقتها، وقد تكون هذه الوساطة بتكليف من منظمة دولية أو منظمة إقليمية.
ويعتبر هذا النوع من الوساطة الأكثر انتشارا في حل النزاعات الدولية من غيره لأسباب عديدة أهمها، أن جهود مجموعة دول وعلاقتها بكلا الطرفين لها فعالية أكبر في العلاقات الدولية بالمقارنة مع جهود دولة واحدة أو شخص منفرد، ومن ثم فإن فرص نجاح مثل هذا النوع من الوساطات كبيرة، إذا تجاوبت معها الأطراف المتنازعة.
فقد نجحت الوساطة التي قامت بها لجنة تنقية الأجواء العربية المنبثقة عن مؤتمر القمة العربية الطارئ في الدار البيضاء عام 1985 في تسوية الخلافات بين سوريا والأردن، إذ جرت لقاءات بين الجانبين على مستوى وزراء الخارجية في كل من الرياض وعمان، ثم على مستوى الرؤساء في دمشق عام 1985 وتم الاتفاق بينهما على تطبيع العلاقات بين البلدين.
- الوساطة الفردية: وتتم هذه الوساطة عن طريق دولة أو شخصية دولية (رئيس دولة مثلا) والتي تقوم بجهود للتوسط بين الأطراف المتنازعة شريطة أن توافق هذه الأطراف على تلك الوساطة[22].
- الوساطة التعاقدية: وتتم عن طريق اتفاق الدول بموجب معاهدة دولية تبرمها فيما بينها على نص يلزمها باللجوء إلى وسيلة الوساطة في حالة نشوب نزاع معين بينها، وفي هذه الحالة يكون اللجوء إلى أسلوب الوساطة لحل النزاع القائم بينها إلزاميا لأطراف المعاهدة غير أن مثل هذه الحالات نادرة جدا في العلاقات الدولية المعاصرة، نظرا للتطور الذي حصل على مبدأ اختيار الوسائل المناسبة لحل النزاعات تبعا لطبيعتها ورغبة الأطراف المتنازعة.

تلعب الوساطة دورا مهما في العلاقات الدولية في الوقت الحاضر، وتقوم الوساطة على الخصائص الآتية:
-  تؤثر شخصية الوسيط في تقبل الأطراف المتنازعة للوساطة. فغالبا ما تكون شخصية
الوسيط ذات اعتبار. وقد يكون هذا الوسيط رئيس دولة، أو وزير خارجية لدولة تحظى باحترام من قبل الأطراف المتنازعة.
-
 تكون الوساطة فاعلة عندما ترفض الأطراف المتنازعة المفاوضات المباشرة بينها. فيقوم الوسيط بنقل الآراء بين الطرفين وعندما يتوصل إلى ترضية الطرفين فإنه يسهل التقاء الأطراف وإجراء المفاوضات بشكل مباشر.
-
 قبول الوساطة يعني أن الدولة التي تقبلها تريد حلا للنزاع. وإذا رفضت الوساطة
منهما فان ذلك يعني أما يتجهان نحو تصعيد الموقف.
-
  غالبا ما تكون الوساطة بمبادرة من قبل الوسيط، أو من قبل دولة يهمها حل النزاع، أو من قبل منظمة دولية. وقد يكون هذا الطلب سريا أو علنيا.
-
قبول الوساطة عمل اختياري من قبل الدول المتنازعة، فيجوز قبولها، أو رفضها، ولا يترتب على رفض الطلب عملا قانونيا، أو مسؤولية دولية[23].

ب‌-   التحقيق: 

    قد يكون أساس النزاع، في بعض الأحيان، بين الطرفين خلافا على وقائع معينة، بحيث إذا تم الفصل في صحة هذه الوقائع أمكن للطرفين المتنازعين تسوية موضوع النزاع وديا. في مثل هذه الأحوال يجدر بالطرفين المتنازعين إحالة موضوع النزاع على التحقيق لإيضاح كل الوقائع المختلف عليها[24].
ويقصد بالتحقيق أن يعهد إلى لجنة تتكون أكثر من شخصين مهمة تقصي الحقائق المتعلقة بالنزاع القائم بين دولتين، دون أن يكون ذلك مشفوعا بإبداء ملاحظات يمكن أن تؤثر في تحدد الطرف الذي تقع عيه مسؤولية قيام النزاع، بل تكون مهمة اللجنة قاصرة على جمع الحقائق ووضعها تحت تصرف الطرفين كي يتصرفا على ضوئها، ويقررا إما الدخول في مفاوضات مباشرة لقصد حل النزاع أو يقررا عرضه على التحكيم الدولي أو على محكمة دولية، وهذه الطريقة في الأصل اختيارية و يتم اختيار أعضاء لجنة تحقيق باتفاق أطراف النزاع، والتقرير الذي تنتهي به أعمال لجنة التحقيق ليست له أي صبغة إلزامية في مواجهة أطراف النزاع. ويقصد به أيضا الاتفاق على تشكيل لجنة دولية تتولى مهمة جمع وفحص وتحقيق الوقائع المتنازع عليها، وكتابتها في تقرير من دون أن تتخذ قرار في ذلك، بل يترك أمر الحكم عليها إلى الأطراف المتنازعة
[25].
وقد تم النص على التحقيق كوسيلة سلمية لحل النزاعات الدولية لأول مرة من خلال اتفاقية لاهاي لعام 1907 المتعلقة بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية، ثم تطور نظام التحقيق الدولي من خلال إبرام بعض الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف، كما نص ميثاق الأمم المتحدة على التحقيق باعتباره أحد الوسائل السلمية لحل النزاعات الدولية وذلك في المادة 33، زيادة على منحه لمجلس الأمن سلطة إنشاء لجان تحقيق دولية،
حيث جاء في المادة 34 أنه "لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين".
تطبيقا لهذه المادة يقوم مجلس الأمن بمهمة التحقيق عن طريق لجان يشكلها و يكلفها دراسة الحالة و الوضع وتقديم تقرير إليه يبين ما إذا كان النزاع أو الموقف سيؤدي إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين، و استنادا إلى النتيجة التي تتوصل إليها لجنة التحقيق يقوم مجلس الأمن باتخاذ القرارات التي يراها مناسبة لحل النزاع سلميا
[26].
وطريقة التحقيق لتسوية المنازعات الدولية وضعها مؤتمر لاهاي الأول1899 وتنشأ هذه اللجان عن طريق أطراف النزاع، فيعمدون تشكيل لجان تحقيق ويحددون بموجب اتفاق خاص صلاحياتها، وتكمن مهمتها في جمع المعلومات عن طريق الاستماع إلى أطراف النزاع وفحص أقوال الشهود ومناقشة الخبراء، واستعراض الوثائق والمستندات وزيارة المواقع وذلك لتحديد الانتهاكات التي أدت إلى اندلاع النزاع
[27].
وتتميز طريقة التحقيق وفقا لنظام مؤتمر لاهاي عام 1907 بالخصائص التالية:
- وسيلة اختيارية للدول في اللجوء إليها.
- تهدف هذه الطريقة إلى تسوية القضايا الفعلية.
- تنشأ بموجب اتفاقية خاصة.
- لا يتمتع تقرير اللجنة بأية صفة إلزامية
[28].
وإذا كانت تقارير لجان التحقيق لا تتمتع من حيث المبدأ بالصفة الإلزامية فهناك اليوم اتجاه مغاير نلمسه في بعض الاتفاقيات الدولية، ونذكر منها على سبيل المثال اتفاقيــــة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، فالمدة الخامسة من الملحق الثامن منها تتحدث عن بعض الحقائق وتخول الأطراف المتعاقدة إلى محكمة تحكيم خاصة إجراء تحقيق
لتثبت من بعض الوقائع التي تسببت في نشوء نزاع حول تفسير أحكام الاتفاقية أو تطبيقها، وتؤكد الفقرة الثانية من المادة أن نتائج التحقيق التي تنتهي إليها المحكمة تعتبر ثابتة ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك
[29].

يقوم التحقيق على فكرة تسوية القضايا والمنازعات بالتحقق من صحة الوقائع التي
تثيرها، عن طريق تشكيل لجان تحقيق دولية، وعند مناقشة هذه الفكرة في مؤتمر "لاهاي" برز اتجاهان حول مدى إلزاميتها، وانتهى المؤتمر إلى الأخذ بالاتجاه الثاني، حيث نصت المادة التاسعة من معاهدة "لاهاي" على الآتي: "ترى الدول المتعاقدة
أنه من المفيد والمرغوب فيه أن يلجأ الطرفان لحل الخلافات ذات الطابع الدولي والتي لا تمس الشرف، ولا تتعلق بالمصالح الجوهرية، التي يستعصي حلها بالطرق الدبلوماسية، إلى تأليف لجنة تحقيق دولية تتولى دراسة وقائع الأمور عن كثب، وحل الخلاف الناشئ حلا مشبعا بروح التجرد والنزاهة".
ومن الأمثلة البارزة في هذا الشأن، المعاهدات الثنائية التي أبرمها وزير الخارجية الأمريكي بريان
Bryan بين عامي 1913 و1914 مع عدد من الدول، من بينها: فرنسا وبريطانيا وكندا، والتي تضمنت الدعوة إلى اللجوء إلى التحقيق في حل المنازعات التي تنشأ فيما بينها، وتنطوي آلية التحقيق على عدة مزايا، من أهمها:

-         أنها اختيارية تلجأ إليها الأطراف المتنازعة إذا توصلت إلى اتفاق على ضرورة حل النزاع بواسطتها.

-         أنها تقوم على تشكيل لجنة محايدة تتولى مهمة التحقيق، بالانتقال إلى مكان الوقائع التي تتعلق بالنزاع، لجمع المعلومات، والكشف عن ملابسات الموضوع دون تحديد المسؤوليات.

-         أنها تؤدي إلى حصر موضوع النزاع، إذ أن من أبرز مهام لجنة التحقيق دراسة موضوع النزاع دراسة واقعية، في ضوء الحقائق المرتبطة بموضوع النزاع[30].

ج- التوفيق:

   يقصد به حل النزاع عن طريق إحالته لهيئة محايدة، تتولى تحديد الوقائع، واقتراح تسوية ملائمة يتم طرحها على أطراف النزاع، ويكون قرار هيئة التوفيق غير ملزم لأطراف النزاع، وهذا ما يميزه عن قرار هيئة التحكيم. والتوفيق يعتبر طريقة حديثة  لتسوية المنازعات الدولية، وقد بدأ التعامل به بعد عام 1929، بواسطة عدة معاهدات ثنائية، أو جماعية، كالمعاهدات البلطيقية[31] في 17 دجنبر عام 1925، والاتفاقيات المعقودة بين الدول الأمريكية في 5 دجنبر 1929عام، وكذلك معاهدة لوكارنو[32] عام 1925[33].
 ويتشابه التوفيق والمساعي الحميدة والوساطة من حيث محاولة جمع الأطراف المتنازعة لإزالة فتيل التوتر، غير أن هذه الوسيلة غالباً ما تأتي من طرف قوي يساهم في الضغط على طرفي النزاع بنية الوصول إلى تسوية الصراع بينهما، كما قد يتم اللجوء إلى التوفيق بناء على رغبة الأطراف وباختيارهم وهذا يسمى بالتوفيق الاختياري، أما إذا تم اللجوء إليه بضغط من طرف آخر أو التجاء الأطراف إليه بسبب وجود اتفاق مسبق بين أطراف النزاع فإن التوفيق في هذه الحالة يطلق عليه اسم التوفيق الإجباري.
[34] ومن هنا يمكن تعريف التوفيق بأنه الجهد الذي تبذله لجنة دولية أو دول تتمتع بثقة أطراف النزاع حيث تقدم لهم حالا تأمل في أن ينال رضاهم وقبولهم[35]. ولقد نصت العديد من المواثيق الدولية على إعمال التوفيق في المنازعات الدولية في حالة عدم التوصل إلى تسوية بالوسائل الدبلوماسية والسياسية المشار إليها سابقاً، ويكون هذا عبر إنشاء لجان توفيق خاصة تتألف من خمسة أعضاء ويكون لكل طرف من أطراف النزاع الحق في تعيين واحد من أعضاء اللجنة سواء كان من رعاياها أو من رعايا دولة أخرى فيما يتم اختيار الثالثة الباقين بالاتفاق بين طرفي النزاع على أن يكونوا من مواطني دول أجنبية وهذا حسب المادة 3/6 من الفصل الأول من ميثاق جنيف[36].

 وبعد تشكيل اللجنة تباشر أعمالها و تنظر في الوثائق المقدمة وتستمع إلى الشهود إذا رأت اللجنة داع لذلك، وبعد ذلك تقوم بإبداء رأيها ويعتبر هذا الرأي ملزما في حالة قبوله من طرفي النزاع، ويكون هذا كله موثقا في محضر رسمي. ويتبين من هنا بأن لجان التوفيق تشبه هيئة التحكيم أو القضاء الدولي، من حيث طبيعة العمل غير أنها تختلف عنها من حيث الصفة الإلزامية التي تتوافر في قرارات التحكيم والقضاء الدوليين بخلاف ما هو الحال عليه في التوفيق، إلا في حالة القبول برأي لجنة التوفيق فعنصر الإلزام يتوافر حينها.
كما أن ميثاق الأمم المتحدة و أيضا العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية قد نصت على التوفيق و استخدام لجانه للتسوية في حالة نشوب نزاع بين عضوين أو أكثر من الأعضاء.
وتتكون لجان التوفيق أحيانا من ثالثة أعضاء وتكون قراراتها بالأغلبية وبحضور جميع الأعضاء، وتقوم اللجنة باختيار مقرا لعملها ولها أيضاً حق الاستعانة بمن تراه يساهم في مساعدتها
[37]. ومن الملاحظ هنا في تكوين اللجنة هو أن عدد الأعضاء إما أن يكون خمسة أو ثالثة أي عدد فردي، وهو النظام المتبع في المحاكم الداخلية أو الدولية لضمان الوصول إلى تسوية بناء على رأي الأغلبية. ولنجاح عمل اللجنة يجب أن يتسم بالسرية والكتمان ومنع وقوع أي تسريب للقرارات التي وصلت إليها أو تسريب للوثائق الموجودة بحوزتها لأنها بذلك تفقد ثقة الأطراف التي أوكلت إليها الأمر في التسوية.

ومما سبق فإن هذه الوسيلة قد تنجح في عملها أحيانا أو تفشل في أحيانا أخرى وهو
الحال الأغلب بسبب عدم قبول أطراف النزاع بالتوفيق من حيث المبدأ أساساً، أو بسبب عدم قبول قرارات لجنة التوفيق بعد صدورها لعدم إلزاميتها، أي إن حالة الفشل ترجع إلى الرفض المسبق للتوفيق بمعنى رفضه أساسا أو الرفض اللاحق وهو رفض لنتائج التوفيق وقرارته.
ويتميز نظام التوفيق بثلاث خصائص أهمها:
- تنظيم لجان التوفيق: تقوم تلك اللجان على مبدئي الجماعية والاستمرار فهي تتكون من ثلاث أعضاء أو خمسة في العادة، ولكن هذه اللجنة لا تشكل بصفة مؤقتة بصدد كل نزاع يراد حله ولكنها تنشأ قبل ذلك بمقتضى معاهدة.
- اختصاص لجان التوفيق: إجراء التوفيق يهدف إلى تسوية النزاع حول المصالح بعكس النزاع في الحقوق الذي يمكن حسمه بواسطة القواعد القانونية. وتتلخص مهمة اللجنة في أن يجرى فحص للمسالة وأن تحرر بصددها تقريرا للأطراف المتنازعة مع إيراد مقترحات محددة للتسوية، وتبدو هنا مهمة اللجنة أوسع من لجان التحقيق القديمة التي كان يتحدد دورها في التحقق من الوقائع فقط.
ويلاحظ بصدد نظام التوفيق:
- أن اللجوء إليه أمر ملزم إذا ما طلبه أحد الأطراف.
- أن تقرير اللجنة ليست له أي قيمة إلزامية ولا يفرض بالتالي على الأطراف.             - وتعمل اللجنة جهدها في التوفيق بين الأطراف، ولا يتعدى دورها تلك الحدود
[38].

- الإجراءات التي تتبعها لجان التوفيق: تحيل أغلب المعاهدات إلى الإجراء المقرر للجان التحقيق بالفصل الثاني من اتفاقية لاهاي الأولى في 18 أكتوبر 1907 فهي تنص على أن اللجنة تنعقد في اجتماع مغلق، وأن إعلان التقرير مسألة اختيارية، وأن القرارات تؤخذ بأغلبية الأصوات حتى عند وضع تقرير اللجنة.

ويعتبر التوفيق طريقة حديثة نسبيا من طرق التسوية السلمية للمنازعات الدولية، حيث دخلت في التعامل الدولي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد أكدت الجمعية العمومية لعصبة الأمم على طريقة التوفيق لفض المنازعات الدولية، وذلك بإبرام اتفاقيات تتضمن إنشاء لجان للتوفيق وفحص ودراسة المنازعات الدولية، كما أشارت المادة 33 من الميثاق الأممي إلى التوفيق كوسيلة من وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية[39]

 

المطلب الثاني : الاليات والوسائل السياسية لتسوية النزاعات الدولية

 

لا يخفى على أحد أن العالم بات يقف على حافة بركان هائج، تملؤه الأسلحة النووية والخطابات المتطرفة المليئة بالكراهية. بركانٌ يتسع يومًا بعد يوم، ويشهد نزاعات جديدة في مناطق مختلفة من العالم، حتى أصبح جزء من هذا الكوكب يتغذى على الأزمات والصراعات.

ما أكثر تلك النزاعات التي وصلت إلى لحظة الانفجار، وما أشد الويلات والمعاناة التي خلّفتها وراءها من دمار وتهجير وفقدان للأمن والأمل. وفي ظل هذه الفوضى، تظهر تحديات جسام تنتظر أن تتصدى لها وفود جديدة من القادة والمفكرين وأصحاب القرار، عسى أن ينيروا الطريق نحو مستقبل يسوده السلام والتعاون بدلًا من الكراهية والانقسام.

من اجل معالجة هده النزاعات والتصدعات تحتاج الهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية الى اليات ووسائل متنوعة ومختلفة ومن ابرز هده الاليات والوسائل نجد الاليات السياسية التي تعد الأبرز في حل النزاعات وتسويتها وفق منطور قانوني  حيث تُعد الوسائل السياسية من أهم الأساليب التي تعتمدها الدول والمنظمات الدولية لتسوية النزاعات الدولية بطريقة سلمية، ووفقًا لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتتميز هذه الوسائل بمرونتها وفاعليتها في معالجة أسباب النزاع وتجنب التصعيد نحو العنف أو الحرب.

الفقرة الأولى : دور الأمم المتحدة في تسوية النزاعات الدولية .

كلّما دمّرت الحروب المدن والمجتمعات، وخلفت وراءها آلاف الضحايا واللاجئين، كان لا بدّ من البحث عن آليات فعالة لتسوية النزاعات الدولية بطرق سلمية. لقد أدّى تكرار الحروب والصراعات، لا سيما في القرن العشرين، إلى التفكير الجدّي في إنشاء منظمة دولية تُعنى بحفظ السلم والأمن الدوليين، وقد تجسد هذا الطموح في إنشاء منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وقد جاء ميثاق الأمم المتحدة ليضع إطارًا قانونيًا لتسوية النزاعات الدولية بوسائل سلمية، بعيدًا عن اللجوء إلى القوة. وتنوّعت هذه الوسائل بين المفاوضات، الوساطة، التحكيم، والتوفيق، بالإضافة إلى تدخلات مباشرة تقوم بها أجهزة المنظمة كـ مجلس الأمن الدولي والأمين العام ومحكمة العدل الدولية.

وفي ظل استمرار النزاعات المسلحة في العصر الحديث، يبقى دور الأمم المتحدة محوريًا في البحث عن حلول سلمية للنزاعات، بما يضمن احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان.

نسعى من خلال هده الفقرة الى تسليط الضوء على ما يلي :

·       محاولة التعرف على الأسس القانونية التي تستند اليها أجهزة الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية .

·       تسليط الضوء على وسائل الأمم المتحدة في حسم النزاع .

·       تقيم مدى فعالية قرارات وتوصيات الأمم المتحدة في تسوية وحل النزاعات .

أولا : أسس تسوية النزاعات الدولية في الجمعية العامة للأمم المتحدة .

تساهم الجمعية العامة في حفظ السلم والامن الدوليين غير ان هده المساهمة تختلف في طريقتها عن مساهمة مجلس الامن الدولي لقد اعطى الميثاق في المادة العاشرة منه للجمعية العامة سلطات بالقول ) للجمعية العامة ان تناقش أي مسالة او امر يدخل في هدا المثاق ( ويفهم من نص المادة المذكورة انه يحق للجمعية العامة ان تناقش أي نزاع دولي متى ما كان يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين وان على الجمعية العامة ان تتخذ كل التدابير اللازمة لتطويق هدا النزاع ريثما تعرضه الأطراف على محكمة العدل الدولية .

ألزم إعلان مانيلا الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1982 والمتعلق بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية، الدول الأعضاء بضرورة الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وبأن تأخذ التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة بعين الاعتبار وتعمل على تنفيذها. وقد شدد ميثاق الأمم المتحدة، في مواده المتعلقة بتسوية [40]النزاعات الدولية، على وجوب لجوء أطراف النزاع إلى وسائل سلمية لحل خلافاتهم، من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. فـ المادة 33 من الميثاق تنص على أنه:

"يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، أن يسعوا أولًا لحله بالوسائل السلمية مثل: المفاوضات، التحقيق، الوساطة، التوفيق، التحكيم، التسوية القضائية، اللجوء إلى المنظمات الدولية أو الإقليمية، أو أي وسيلة سلمية أخرى من اختيارهم".[41] كما منح الميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة صلاحية النظر في النزاعات الدولية وتقديم التوصيات المناسبة بشأنها. لكن، تجنبًا للازدواجية وتعارض القرارات مع مجلس الأمن، نص الميثاق على استثناء النزاعات المعروضة أمام مجلس الأمن من اختصاص الجمعية العامة، ما لم يطلب المجلس منها التدخل.

بعد اندلاع الحرب الكورية في 25 يونيو 1950 بهجوم كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية، دعا مجلس الأمن، بطلب من الولايات المتحدة، إلى وقف القتال، لكن عجز لاحقًا عن التوصل إلى حلول بسبب عودة الاتحاد السوفيتي واستخدامه حق النقض (الفيتو). نتيجة لذلك، لجأت الولايات المتحدة إلى الجمعية العامة، التي قامت بإصدار القرار الشهير 377 (الاتحاد من أجل السلم) في 3 نوفمبر 1950، والذي خوّل الجمعية العامة باتخاذ التدابير المناسبة في حال عجز مجلس الأمن عن ممارسة مسؤولياته بسبب الفيتو.هذا القرار شكل نقطة تحول كبيرة في مبدأ توازن الصلاحيات داخل الأمم المتحدة، وسمح للجمعية العامة بتعويض الفراغ الناتج عن تعطل مجلس الأمن.أما عن التحول في سياسة الولايات المتحدة اليوم، ومحاولتها عكس هذا السلوك، فلأنها أصبحت هي التي تستخدم الفيتو لحماية مصالحها (خاصة في القضايا المرتبطة بإسرائيل مثلًا)، ولم تعد تخشى الفيتو الروسي وحده، بل تستخدمه متى اقتضت مصالحها ذلك. وهذا يُظهر كيف تتغير استراتيجيات الدول العظمى حسب ميزان القوى داخل الأمم المتحدة.[42]

ثانيا : أسس تسوية النزاعات في مجلس الامن

يتمتع مجلس الأمن الدولي، من بين أجهزة الأمم المتحدة، ووفقًا لما نص عليه ميثاق المنظمة، بصلاحيات واسعة وأهمية كبيرة، وذلك نظرًا لاضطلاعه بالمهمة الأساسية التي أُنشئت من أجلها الأمم المتحدة، وهي حفظ الأمن والسلم الدوليين.

وتُعد النزاعات الدولية، على غرار غيرها من القضايا ذات الطابع الدولي، من العوامل التي قد تهدد الأمن والاستقرار في العالم، إذا لم يتم تسويتها بوسائل سلمية، بما يضمن عدم تفاقمها وتحولها إلى نزاعات مسلحة، وما يترتب عن ذلك من ويلات وكوارث إنسانية.وقد نص الفصل السادس من الميثاق على اختصاصات مجلس الأمن وصلاحياته في مجال التسوية السلمية للنزاعات. فإذا تبين للمجلس أن هناك نزاعًا قد يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، فإنه يدعو أطراف النزاع إلى العمل على تسويته بالوسائل السلمية كالمفاوضات المباشرة، أو التحقيق، أو الوساطة، وغيرها من الوسائل المنصوص عليها.

ويُلاحظ أن الميثاق يُقرّ بأن أطراف النزاع هي الأدرى بطبيعة خلافها، وبالتالي فهي الأقدر على اختيار الوسيلة الأنسب لتسويته. ولذلك، لا يجوز لمجلس الأمن أن يفرض على الدول المتنازعة طريقة معينة لحل نزاعها، بل يترك لها حرية الاختيار في إطار الوسائل السلمية المتاحة. ومن المهم التأكيد على أن القول بأن من وظيفة مجلس الأمن أن ينظر في أي نزاع قد يُهدد الأمن والسلم الدوليين، لا يعني أن الأمم المتحدة تقلل من أهمية النزاعات الإقليمية أو المحلية، بل إن الفصل السادس من الميثاق يمنح الأولوية لأطراف النزاع لحل مشكلاتهم بالطرق السلمية [43]التي يرونها مناسبة، وذلك تنفيذًا لما التزم به الأعضاء في الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الميثاق.

ويظل السؤال المطروح: متى يُعد النزاع الدولي مهددًا فعليًا للأمن والسلم الدوليين؟

ثالثا : أسس تسوية النزاعات الدولية في محكمة العدل الدولية

تُعد محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي الذي خوّله ميثاق الأمم المتحدة صلاحية الفصل في النزاعات الدولية، قبل أن تتفاقم وتتحول إلى حروب دامية. وهذا يتماشى مع الأهداف الرئيسية التي سطرتها الأمم المتحدة وتسعى إلى تحقيقها، وعلى رأسها حفظ السلم والأمن الدوليين.

وقد تم تأكيد هذا الدور في المادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة، التي نصت صراحةً على أن محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للمنظمة، وأنها تعمل وفقًا لنظامها الأساسي. هذا النظام حاول تنظيم المحكمة من جوانب متعددة، حيث تولّى تنظيم هيكلها العضوي من المادة الثانية إلى المادة الثالثة والثلاثين، بينما تناول الجوانب الوظيفية لعمل المحكمة من المادة الرابعة والثلاثين إلى المادة الثامنة والثلاثين.[44]

تتكوّن محكمة العدل الدولية من خمسة عشر قاضيًا يتم انتخابهم من طرف الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين للأمم المتحدة، لمدة تسع سنوات، مع إمكانية إعادة انتخابهم.

ينقسم اختصاص المحكمة إلى قسمين رئيسيين:

  • الاختصاص القضائي
  • الاختصاص الاستشاري

1: الاختصاص القضائي

يتفرع الاختصاص القضائي لمحكمة العدل الدولية إلى نوعين:

أ - الاختصاص الاختياري:

هو اختصاص يتوقف على إرادة الطرفين المتنازعين، ولا يمكن للمحكمة أن تباشر نظر النزاع إلا إذا عبّرت الدول المعنية صراحة عن قبولها عرض القضية على المحكمة.
وقد نصت المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة على أن الاختصاص الاختياري يشمل:

  • جميع القضايا التي يتفق المتقاضون على عرضها أمام المحكمة.
  • المسائل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة أو في المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

ويُشترط في هذا النوع من الاختصاص أن يقوم على اتفاق صريح بين الأطراف، سواء أكان هذا الاتفاق سابقًا أم لاحقًا لنشوء النزاع.[45]

ب - الاختصاص الإجباري (الإلزامي):

ينشأ هذا الاختصاص في حال وجود اتفاقيات دولية تتضمن بندًا ينص على عرض النزاعات المتعلقة بتفسيرها أو تطبيقها على محكمة العدل الدولية.
كما يمكن أن يُثبت إذا أعلنت دولة ما قبولها المسبق لاختصاص المحكمة في النزاعات القانونية التي قد تنشأ بينها وبين دولة أخرى، وهو ما يُعرف بـ التصريح الاختياري المنفرد.

2: الاختصاص الاستشاري

تتمتع محكمة العدل الدولية أيضًا باختصاص استشاري غير قضائي، خوّله لها ميثاق الأمم المتحدة، ويُتيح لها إصدار آراء قانونية استشارية بشأن أي مسألة قانونية.

وقد نصت المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة على إمكانية طلب الرأي الاستشاري من قبل:

  • الجمعية العامة،
  • مجلس الأمن،
  • وسائر الهيئات التابعة للأمم المتحدة والمُرخص لها من الجمعية العامة، مثل:
    • المجلس الاقتصادي والاجتماعي،
    • مجلس الوصايا،
    • منظمة اليونسكو،
    • منظمة الصحة العالمية، وغيرها.

وقد نظّم النظام الأساسي للمحكمة هذا الاختصاص في المواد من 65 إلى 68، حيث يُشترط تقديم الطلب وفق الإجراءات المنصوص عليها، ويُعد الرأي الصادر عن المحكمة في هذا السياق غير ملزم، لكنه ذو مكانة قانونية كبيرة ويُسترشد به في تفسير القانون الدولي.[46]

:3القانون الذي تطبقه محكمة العدل الدولية

إن محكمة العدل الدولية، باعتبارها جهازًا قضائيًا دوليًا، يتعيّن عليها عند الفصل في النزاعات المعروضة أمامها أن تسعى إلى تأسيس نظام قانوني موضوعي بين الدول، مما يفرض على القضاة الالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولي.

وقد أكدت المحكمة هذا التوجه في المادة 38 من نظامها الأساسي، والتي تنص على ما يلي:

"وظيفة المحكمة أن تفصل في النزاعات التي ترفع إليها وفقًا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن..."

وتُحدّد المادة نفسها المصادر القانونية التي تستند إليها المحكمة كما يلي:

أ: الاتفاقيات الدولية

تشمل:

  • الاتفاقيات العامة والخاصة التي تضع قواعد قانونية معترف بها صراحة من قبل الدول الأطراف في النزاع.

ب: العادات الدولية

·         وهي العرف الدولي المستقر الذي يعتبر قانونًا نتيجة تواتر الاستعمال، مقرونًا بالاعتقاد بإلزاميته عنصر القناعة القانونية أو Opinio Juris

ج: مبادئ القانون العامة

  • وهي المبادئ التي تعترف بها الأمم المتحضرة، وتشكل قواعد قانونية أساسية تُستمد من الأنظمة القانونية الداخلية للدول، مثل: مبدأ حسن النية، مبدأ المسؤولية، ومبدأ عدم الإضرار بالغير.

ت: الأحكام القضائية وآراء كبار الفقهاء

  • تُعد هذه المصادر احتياطية يُرجع إليها في حال غياب نصوص صريحة أو عرف مستقر. وتشمل:
    • الأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية.
    • مذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام، من مختلف الأمم.

الفقرة الثانية : دور المنظمات الإقليمية في تسوية النزاعات الدولية

 تلعب المنظمات الإقليمية دورًا متزايد الأهمية في تسوية النزاعات الدولية، خاصة في ظل تشعب الأزمات الإقليمية وتعقيداتها. وقد اعترف ميثاق الأمم المتحدة بدور هذه المنظمات، حيث نص في الفصل الثامن (المواد 52 إلى 54) على أهمية التعاون الإقليمي في حفظ السلم والأمن الدوليين، شرط أن يكون هذا الدور منسّقًا ومكمّلًا لدور الأمم المتحدة وليس بديلًا عنه.

ففي كثير من الأحيان، تمتلك المنظمات الإقليمية معرفة أعمق بطبيعة النزاعات ومسبباتها المحلية، كما تملك أدوات دبلوماسية وسياسية أكثر مرونة في التعاطي مع أطراف النزاع. وتشمل هذه المنظمات على سبيل المثال:

·         الاتحاد الإفريقي الذي قام بدور محوري في عدة أزمات بالقارة الإفريقية مثل دارفور، مالي، وجنوب السودان.

·         منظمة الدول الأمريكية (OEA) التي ساهمت في التهدئة السياسية في عدد من دول أمريكا اللاتينية.

·         منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) التي أدت أدوارًا هامة في مراقبة وقف إطلاق النار والمصالحة في نزاعات أوروبا الشرقية.

·         جامعة الدول العربية، رغم محدودية فعاليتها أحيانًا، إلا أنها تدخلت في أزمات مثل لبنان والعراق وسوريا عبر لجان المصالحة ومبادرات الوساطة.

 

أولا : دور الاتحاد الافريقي في تسوية النزاعات

عانت القارة الإفريقية طيلة الحقبة الاستعمارية من النهب المنظم واستغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية، وخلف الاستعمار وراءه إرثًا ثقيلًا تمثل أساسًا في الحدود المصطنعة التي قسّمت الشعوب والقبائل، مما كان سببًا رئيسيًا في اندلاع العديد من النزاعات بعد الاستقلال.

وقد شهدت إفريقيا بعد نهاية الاستعمار موجة من النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، مثل:

·         نزاعات الحدود بين ليبيا وتشاد، إثيوبيا وإريتريا، وإثيوبيا والصومال حول إقليم الأوجادين.

·         الحروب الأهلية في نيجيريا، الصومال، السودان، أنغولا وموزمبيق.

·         الانقلابات العسكرية في السودان، توغو، غانا، وغيرها.

أمام هذا الواقع المضطرب، أدرك القادة الأفارقة الحاجة الماسة إلى صيغة تنظيمية للعمل المشترك، فتم إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963 بهدف تحقيق الاندماج القاري وإنهاء مخلفات الاستعمار. غير أن هذه المنظمة، رغم دورها الرمزي، لم تستطع التعامل بفعالية مع التحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة، بسبب ميثاقها الذي كان يرتكز بشكل مفرط على مبدأ "عدم التدخل".[47]

ومع نهاية القرن العشرين، برزت قناعة لدى القادة الأفارقة بضرورة إنشاء كيان أكثر قدرة ومرونة، فتم الإعلان عن حل منظمة الوحدة الإفريقية وإنشاء الاتحاد الإفريقي سنة 2002، برؤية جديدة تقوم على تعزيز السلم والأمن، والتنمية السياسية والاقتصادية، في إطار احترام مبادئ الشرعية الدولية وحقوق الإنسان.

ومن أبرز آليات الاتحاد الإفريقي في مجال تسوية النزاعات:

·         مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهو الهيئة الأساسية المسؤولة عن إدارة الأزمات والنزاعات، ويضم أجهزة فرعية متخصصة مثل لجنة الحكماء، ونظام الإنذار المبكر، والقوة الإفريقية الاحتياطية.

·         بعثات حفظ السلام، كما في الصومال (بعثة AMISOM) وإفريقيا الوسطى ودارفور.

·         الوساطة السياسية والمفاوضات، والتي كانت حاسمة في النزاعات السودانية، والمصالحة في إفريقيا الوسطى.

يمثل الاتحاد الإفريقي اليوم نموذجًا لتطور العمل الإقليمي في إفريقيا، حيث انتقل من منظمة قائمة على التضامن السياسي إلى منظمة ذات آليات مؤسساتية عملية لمواجهة النزاعات والتحديات الأمنية.[48]

ا: مجلس السلم والأمن كآلية لحل النزاعات في إفريقيا

يُعتبر تأسيس مجلس السلم والأمن الإفريقي مؤشرًا واضحًا على إرادة سياسية جديدة لدى القادة الأفارقة تهدف إلى تقديم صورة أكثر تفاؤلًا عن القارة الإفريقية، والتخلص من الإرث السلبي الذي خلفته منظمة الوحدة الإفريقية، خاصة فيما يتعلق بعجزها عن الاستجابة الفعالة للنزاعات المتكررة في القارة.

ففي أول قمة للاتحاد الإفريقي بعد التحول من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، تم الإعلان عن تبني فكرة إنشاء هذا المجلس. وجاء ذلك بناءً على المادة 5 من الفقرة 2 من الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي، والتي تخول لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات استحداث الأجهزة التي يراها ضرورية لتحقيق أهداف الاتحاد.

وقد تم إقرار بروتوكول إنشاء مجلس السلم والأمن الإفريقي تحت رقم 678 بتاريخ 28 يونيو 2002، خلال الدورة 76 لاجتماع مجلس وزراء خارجية الدول الإفريقية المنعقدة في ديربان بجنوب إفريقيا. وبعدها بأسابيع، وخلال الدورة الأولى للاتحاد الإفريقي يومي 9 و10 يوليوز 2002، تم اعتماد القرار 1234، الذي تبنّى البروتوكول وأعلن رسميًا عن إنشاء المجلس.[49]

دخل هذا البروتوكول حيز التنفيذ بتاريخ 26 دجنبر 2003، ليُعوّض بذلك "الآلية الإفريقية لمنع النزاعات وإدارتها وتسويتها" التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية. وفي 25 ماي 2004، تم تدشين المقر الرسمي للمجلس، ليبدأ بذلك مرحلة جديدة في الحوكمة الأمنية الإفريقية، بآليات وقواعد تُمكنه من التدخل الاستباقي والوساطة والمصالحة ونشر بعثات حفظ السلام.

ب : آلية حل النزاعات في إطار السادك* (SADC (

نص ميثاق منظمة التنمية لإفريقيا الجنوبية (SADC) في المواد 4 و5 و21 على مجموعة من المبادئ التي تكرّس التعاون بين الدول الأعضاء في دعم السلم والأمن الإقليمي، والدفاع عن دول الجماعة، والالتزام بالتعاون في المجالات السياسية والأمنية. ولتحويل هذه المبادئ إلى آليات عملية، اتفقت دول الجماعة بتاريخ 28 يونيو 1996 على إنشاء جهاز السياسات والدفاع والتعاون الأمني.[50]

وقد تم تحديد أهداف هذا الجهاز من خلال بروتوكول السياسات والدفاع والتعاون الأمني، الموقع بتاريخ 13 غشت 2001. ووفقًا للمادة 2 من البروتوكول، فإن أهداف الجهاز تشمل:

·         تعزيز السلم والأمن في الإقليم.

·         حماية السكان والعملية التنموية من أخطار انهيار القانون والنظام خلال النزاعات.

·         إنشاء آليات إقليمية مناسبة لإدارة وحل النزاعات بالوسائل السلمية مثل:

o        الدبلوماسية الوقائية

o        المفاوضات

o        الوساطة

o        المساعي الحميدة

o        التحكيم

·         مع إمكانية اللجوء إلى الوسائل القسرية، وفقًا لقواعد القانون الدولي.

ومن أجل تفعيل هذا الجهاز، تم التوقيع على معاهدة الدفاع المشترك في دار السلام، تنزانيا سنة 2003، والتي نصت على تعزيز التعاون في إدارة وحل النزاعات، والدفاع الجماعي، ومواجهة عوامل عدم الاستقرار داخل الإقليم.

ومن أبرز تدخلات الجماعة في تسوية النزاعات:

·         التوسط لإنهاء الحرب في أنغولا والتوصل إلى اتفاق سلام في أبريل 2002.

·         المساهمة في إقناع أطراف النزاع في الكونغو الديمقراطية للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة في 30 يونيو 2003.

ورغم هذه الجهود، إلا أن الجماعة واجهت عدة صعوبات في تفعيل هياكل جهازها الأمني، من بينها:

·         الخلافات السياسية بين بعض الدول الأعضاء، خصوصًا زيمبابوي وجنوب إفريقيا.

·         ضعف التمويل الذي تعاني منه الأجهزة والآليات المنبثقة عن المنظمة.

ت : آلية حل النزاعات في إطار الايكواس*(ECOWAS (

ظهرت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإيكواس – ECOWAS كمنظمة فرعية تهدف أساسًا إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، غير أن التحديات الأمنية والضغوط السياسية دفعتها إلى توسيع نطاق مهامها لتشمل معالجة النزاعات والأزمات الإقليمية، مما جعل الأمن الإقليمي أحد أولوياتها الجوهرية.

وقد أدركت الدول الأعضاء في الجماعة العلاقة الوثيقة بين الأمن والاستقرار من جهة، والتنمية والتكامل الإقليمي من جهة أخرى، مما دفعها إلى البحث عن إطار مؤسساتي يعزز المقاربة الإقليمية لحل النزاعات.

وقد نص الميثاق المعدل للإيكواس في مادته (85) على التزام الدول الأعضاء بحماية العلاقات البينية ودعم الأمن والاستقرار داخل المنطقة، كما نصت المادة (58) على ضرورة منع النزاعات وإدارتها وحلها. وتم أيضًا إعلان الميثاق الدفاعي للإيكواس سنة 1980، والذي تضمّن أحكامًا تتعلق بالأمن الجماعي، مع إقرار مبدأ التضامن الجماعي في مواجهة العدوان الخارجي، باعتباره اعتداءً على كافة الدول الأعضاء.

ولتفعيل هذا الميثاق، تم إنشاء القوات المسلحة المتحالفة للجماعة (AAFC)، التي تقوم على وضع جزء من القوات المسلحة الوطنية للدول الأعضاء تحت تصرف الجماعة. وقد برز الدور الأمني للإيكواس بشكل جلي بعد أحداث التمرد العسكري في إفريقيا الوسطى عام 1996، والذي أدى إلى تدخل الجماعة والتوصل إلى اتفاق بانغي للسلام سنة 1997، ونشر قوات حفظ سلام إفريقية، مما عزز الحاجة إلى تطوير آليات دائمة للسلم والأمن.

وفي هذا الإطار، تم تأسيس ثلاث آليات لتعزيز التعاون الأمني، أبرزها:

·         ميثاق عدم الاعتداء، الذي تم توقيعه في ياوندي، الكاميرون في يوليوز 1996، من طرف تسع دول.

·         آلية الإنذار المبكر، التي أنشئت في أكتوبر 1996، لمتابعة التطورات السياسية والاجتماعية وتحديد مصادر التوتر قبل أن تتفاقم.

·         المجلس الأعلى للسلام والأمن في وسط إفريقيا، الذي تم إنشاؤه خلال قمة ياوندي في 25 فبراير 1999، ودخل حيز التنفيذ في 17 يوليوز 2002، وكان من أبرز مهامه منع النزاعات وتسويتها، وتشجيع ثقافة السلم داخل الإقليم.

كما اتخذ وزراء دفاع الجماعة في اجتماع برازافيل (أكتوبر 2003) قرارًا بإنشاء قوة حفظ سلام إقليمية، يتم تكوينها من مختلف دول الجماعة، مع تأسيس مركز تدريب متخصص لهذه القوات.[51]

وقد ساهمت دول الجماعة في عمليات حفظ السلام، خاصة في إفريقيا الوسطى (أكتوبر 1993) بعد اندلاع النزاع مجددًا، كما تم التنسيق مع منظمتي الإيكاس والسادك لإدارة النزاع في الكونغو الديمقراطية، باعتبارها عضوًا في الجماعتين.

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الإيكاس (ECCAS) كانت السبّاقة إلى اعتماد نظام شبكة الإنذار المبكر عام 1998، أي قبل الإيكواس، كما أسست آلية متكاملة ليس فقط لمنع النزاعات، بل لإدارتها وتسويتها في نفس العام الذي أُنشئت فيه آلية الإيكواس.[52]

ثانيا : دور منظمة الدول الأمريكية   (OEA) في حل النزاعات

تُعد منظمة الدول الأمريكية (OAS) إحدى أقدم المنظمات الإقليمية متعددة الأبعاد، إذ تأسست رسميًا بتوقيع ميثاق بوغوتا في 30 أبريل 1948، في العاصمة الكولومبية بوغوتا، ودخل الميثاق حيز التنفيذ في ديسمبر 1951. وقد خضع هذا الميثاق لعدة تعديلات من خلال بروتوكولات متعاقبة، أبرزها:

·         بروتوكول بوينس آيرس (1967)، دخل حيز التنفيذ في فبراير 1970؛

·         بروتوكول قرطاجنة دي إندياس (1985)، دخل حيز التنفيذ في نوفمبر 1988؛

·         بروتوكول ماناغوا (1993)، دخل حيز التنفيذ في يناير 1996؛

·         بروتوكول واشنطن (1992)، دخل حيز التنفيذ في سبتمبر 1997.

جاء تأسيس المنظمة بهدف إقامة نظام للسلام والعدل بين دول القارة الأمريكية، وتعزيز التضامن والتعاون فيما بينها، والدفاع عن السيادة، والاستقلال، وسلامة الأراضي لكل دولة عضو، كما تنص على ذلك المادة الأولى من ميثاقها التأسيسي.

وتضم منظمة الدول الأمريكية اليوم جميع الدول الخمس والثلاثين المستقلة في الأمريكتين، وتشكل المنتدى السياسي والقانوني والاجتماعي الحكومي الرئيسي في نصف الكرة الغربي. وقد تم منح صفة مراقب دائم لما يزيد عن سبعين دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، مما يعكس اتساع تأثير المنظمة وأهميتها الدولية.

تعتمد المنظمة نهجًا متعدد الأبعاد لتنفيذ أهدافها، وترتكز في تدخلاتها وبرامجها على أربع ركائز رئيسية:

1.    تعزيز الديمقراطية؛

2.    حماية حقوق الإنسان؛

3.    تحقيق الأمن الشامل؛

4.    دعم التنمية المستدامة.

وتُعتبر المنظمة إطارًا مهمًا ليس فقط للتعاون السياسي والاقتصادي، بل أيضًا لتسوية النزاعات ومنع اندلاعها في منطقة الأمريكتين، وذلك من خلال آليات مبكرة للوساطة والدبلوماسية الوقائية، إضافة إلى دعم العمليات الانتخابية، وبعثات حفظ السلام المدنية والرقابة.[53]

ثالثا: منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)في حل النزاعات

تُعد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) أكبر منظمة إقليمية للأمن في العالم، حيث تضم في عضويتها 57 دولة من أوروبا، وآسيا الوسطى، وأمريكا الشمالية. وقد نشأت المنظمة من مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا الذي عُقد في هلسنكي عام 1975، وتمخض عنه اتفاق هلسنكي النهائي، ثم تطورت لتُصبح منظمة دائمة بموجب ميثاق باريس من أجل أوروبا جديدة عام 1990، وتغير اسمها رسميًا إلى "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" سنة 1995.[54]

تتبنى المنظمة مفهومًا شاملًا للأمن، لا يقتصر على البعد العسكري فقط، بل يشمل كذلك الأبعاد السياسية والاقتصادية والبيئية وحقوق الإنسان. ويقوم عمل المنظمة في مجال حل النزاعات على ثلاثة أبعاد مترابطة:

1.    الوقاية من النزاعات؛

2.    حل النزاعات أثناء حدوثها؛

3.    إعادة بناء السلام بعد النزاع.

ومن أبرز آليات المنظمة في هذا المجال نجد:

·         المكاتب الميدانية والبعثات الخاصة التي تُرسل إلى مناطق النزاع لتقديم الدعم والمراقبة، والوساطة بين الأطراف؛

·         مركز منع النزاعات (CPC)، الذي يتولى مهام الرصد والتحليل المبكر للأزمات، والتدخل الدبلوماسي الوقائي؛

·         منتدى التعاون الأمني (FSC)، والذي يركز على تعزيز الشفافية وبناء الثقة بين الدول الأعضاء في المجال العسكري؛

·         بعثات المراقبة الانتخابية، التي تسهم في ترسيخ المؤسسات الديمقراطية بعد النزاعات، خصوصًا في أوروبا الشرقية والقوقاز.

وقد لعبت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أدوارًا محورية في عدد من النزاعات مثل:

·         نزاع ناغورني كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان؛

·         الأزمة الأوكرانية، حيث نشرت بعثة خاصة للمراقبة (SMM) في أوكرانيا منذ 2014؛

·         ألبانيا والبوسنة وكوسوفو، حيث تدخلت بمبادرات للوساطة وبناء قدرات الحكم الرشيد بعد انتهاء النزاعات المسلحة.

وتعتمد المنظمة في جميع تدخلاتها على احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مع التركيز على الوسائل السلمية والدبلوماسية، ورفض التدخل العسكري القسري إلا في نطاق القانون الدولي الجماعي.[55]

المبحث الثاني: الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية

تُعد النزاعات الدولية ظاهرة ملازمة للعلاقات بين الدول منذ نشأة المجتمع الدولي، إذ أن تباين المصالح وتضارب السياسات والاختلافات العرقية والدينية والسيادية غالبًا ما يؤدي إلى توتر العلاقات واندلاع الأزمات. وقد عرفت البشرية عبر التاريخ سلسلة من الحروب المدمرة التي خلّفت مآسي إنسانية واقتصادية عميقة، وهو ما دفع الفقهاء ورجال القانون وصناع القرار إلى البحث عن آليات قانونية ودبلوماسية لتفادي اللجوء إلى العنف واعتماد التسوية السلمية كخيار حضاري ومستدام.

وفي هذا السياق، برزت الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية كآليات أساسية لحفظ السلم والأمن الدوليين، حيث نص ميثاق الأمم المتحدة، خاصة في الفصل السادس منه، على ضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية التي تضمن احترام القانون الدولي وسيادة الدول ومبادئ حسن الجوار. وتكتسي هذه الوسائل أهمية متزايدة في ظل ما يشهده العالم من تداخل المصالح وتعقيد القضايا العابرة للحدود، الأمر الذي يجعل من التفاوض، والوساطة، والمساعي الحميدة، والتحقيق، والمصالحة، أدوات ضرورية لتفادي الانزلاق نحو التصعيد.

ولئن كانت هذه الوسائل لا تحمل طابع الإلزام القانوني الصارم كما هو الحال في الوسائل القضائية، فإنها تتميز بمرونة كبيرة وقدرة على مراعاة الظروف السياسية والثقافية والنفسية للنزاع، كما تتيح للدول هامشًا أوسع من التحكم في مسار الحل، وتُسهم في إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة. غير أن فعاليتها تظل رهينة بعدة عوامل من بينها حسن نية الأطراف، واستعدادها للتنازل، وكفاءة الجهات الوسيطة، فضلاً عن توفر البيئة السياسية والدولية المواتية.

ويمكن القول إن اعتماد الوسائل السلمية لحل النزاعات لا يشكل فقط التزامًا قانونيًا وفق مقتضيات القانون الدولي، بل هو أيضًا خيارٌ استراتيجي وأخلاقي يُجسد تطور الوعي الدولي بأهمية الوقاية من النزاعات وتحقيق الأمن الجماعي عبر الحوار والتفاهم بدل القوة والعنف. من هنا تبرز الحاجة إلى دراسة هذه الوسائل بمختلف أنواعها وتقييم مدى نجاعتها في معالجة النزاعات الدولية المعاصرة، مع الوقوف على النماذج العملية التي تؤكد فاعليتها أو تكشف عن محدوديتها، وهو ما سيتم التطرق إليه في هذا المبحث الأول.

المطلب الأول: التفاوض والوساطة كوسيلتين سلميتين لتسوية النزاعات الدولية

يُعد التفاوض والوساطة من أقدم وأهم الوسائل السلمية التي تلجأ إليها الدول لتسوية نزاعاتها، لما تتميزان به من مرونة وفاعلية، وقابلية للتكيف مع خصوصيات النزاع وطبيعة الأطراف. فالتفاوض يُمثل المرحلة الأولى والأساسية لأي تسوية سلمية، بينما تشكل الوساطة امتدادًا له عندما يصعب على الأطراف الوصول إلى توافق مباشر. ويكتسي هذان الأسلوبان أهمية بالغة في منظومة القانون الدولي المعاصر، كما يشكلان حجر الأساس في سياسة الأمم المتحدة لحل النزاعات بطرق سلمية.

الفقرة الأولى: التفاوض كآلية أساسية لحل النزاعات الدولية

يُقصد بالتفاوض العملية التي يتم من خلالها تبادل وجهات النظر والمقترحات بين طرفين أو أكثر من أطراف النزاع، بغية التوصل إلى اتفاق يُنهي الخلاف أو يُقلص من حدّته. ويستند التفاوض إلى مبدأ احترام السيادة، إذ يتم دون تدخل طرف ثالث، ويُعد من أكثر الوسائل استعمالًا نظرًا لبساطته وانخفاض تكلفته وطبيعته غير الرسمية.

وقد نص ميثاق الأمم المتحدة في المادة 33/1 على أن: "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يُعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر، أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء عن طريق المفاوضة..."[56]. ويؤكد هذا النص على أن التفاوض هو السبيل الأول الذي يتعين على الدول اللجوء إليه قبل البحث عن وسائل أخرى.

من الأمثلة البارزة على فعالية التفاوض، الاتفاق الذي جرى بين مصر وإسرائيل بوساطة أمريكية بعد حرب أكتوبر 1973، والذي تُوج باتفاقية "كامب ديفيد" سنة 1978، حيث نجح الطرفان في حل نزاع طويل الأمد عبر مفاوضات مباشرة مكثفة[57]. كما يُعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى (5+1) سنة 2015 نموذجًا معاصرًا لتسوية نزاع دولي معقّد عن طريق التفاوض.

ونجد مثالًا آخر في اتفاق الطائف (1989)، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عبر مفاوضات بين الأطراف اللبنانية المتصارعة برعاية المملكة العربية السعودية. وقد تضمن الاتفاق إعادة توزيع الصلاحيات السياسية، وفرض مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ونزع سلاح الميليشيات، واحترام سيادة الدولة

كما يُعد الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA)، الذي تم التوصل إليه في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة الدول (5+1)، نموذجًا حديثًا للتفاوض متعدد الأطراف، إذ شمل قيودًا صارمة على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية. وقد اعتمد الاتفاق على التزام الطرفين بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأدرج في القرار رقم 2231 لمجلس الأمن الصادر في 20 يوليو 2015، الذي صادق رسميًا على الاتفاق وجعله جزءًا من المنظومة القانونية الدولية

تجدر الإشارة إلى أن التفاوض لا يقتصر على القضايا السياسية أو العسكرية، بل يمتد أيضًا إلى النزاعات الحدودية، البيئية، والاقتصادية. فعلى سبيل المثال، تم حل النزاع الحدودي البحري بين نيجيريا والكاميرون عبر التفاوض، بعد حكم محكمة العدل الدولية في 2002 بشأن منطقة "باكاسي"، حيث وافقت نيجيريا على تنفيذ الحكم تدريجيًا بموجب اتفاقية غرين تري (Greentree Agreement) لسنة 2006، برعاية الأمم المتحدة

غير أن نجاح التفاوض ليس مضمونًا دائمًا، إذ يتوقف على توفر عدة شروط أبرزها: الإرادة السياسية الصادقة، التوازن في موازين القوى، احترام القانون الدولي، وضمان عدم التدخل الخارجي السلبي. وفي غياب هذه العناصر، قد يتحول التفاوض إلى وسيلة للمماطلة أو كسب الوقت، دون أن يؤدي إلى نتائج ملموسة، كما هو الحال في بعض جولات التفاوض بشأن النزاع في الصحراء المغربية، التي تعثرت مرارًا بسبب تعنت الطرف الانفصالي وعدم انخراطه في منطق الحل السياسي الواقعي الذي تقترحه المملكة المغربية تحت إشراف الأمم المتحدة. إلا أن نجاح التفاوض يظل رهينًا بعدة شروط، من بينها توفر إرادة سياسية لدى الأطراف، واستعدادهم لتقديم تنازلات، وغياب الضغوط الخارجية، فضلًا عن ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي. وفي حال غياب هذه الشروط، قد يتحول التفاوض إلى مجرد وسيلة لربح الوقت أو لشرعنة مواقف متشددة، مما يُفرغه من مضمونه ويُعقد الأزمة بدل حلّها.

 

الفقرة الثانية: الوساطة كآلية لدعم العملية التفاوضية

تُعد الوساطة وسيلة مكملة للتفاوض، وتتمثل في تدخل طرف ثالث، محايد ومستقل، يساعد أطراف النزاع على التواصل وبناء الثقة وتقديم مقترحات لتقريب وجهات النظر. وغالبًا ما يتم اللجوء إلى الوساطة عندما تصل المفاوضات المباشرة إلى طريق مسدود، أو عندما تتسم العلاقات بين الأطراف بالتوتر الشديد الذي يمنع التواصل المباشر.

وقد عرّف الفقيه "أوسكار شاختَر" الوساطة بأنها: "إجراء تتدخل فيه جهة ثالثة لمساعدة أطراف النزاع على إيجاد حل سلمي، دون أن تفرض قراراتها عليهم، بل تُقدم مقترحات وتُشجع الحوار البناء بين الأطراف"[58].

تتدخل الوساطة في أشكال متعددة: قد تكون من قبل دولة (كالوساطة التي قامت بها النرويج في النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي وأفضت إلى اتفاق أوسلو سنة 1993)، أو من قبل منظمة دولية (كما هو الحال مع الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي)، أو من قبل شخصيات دولية تحظى بالاحترام والثقة (كالأمين العام للأمم المتحدة أو مبعوثين خاصين).

ومن الأمثلة البارزة على الوساطة الأممية، جهود الأمم المتحدة في النزاع الليبي، حيث لعبت البعثة الأممية للدعم في ليبيا (UNSMIL) دور الوسيط بين الأطراف الليبية المتنازعة، وتُوجت هذه الجهود باتفاق الصخيرات في المغرب سنة 2015، الذي تم توقيعه تحت رعاية مباشرة من الأمم المتحدة، ونص على تشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي، كما أقر بضرورة وقف إطلاق النار واحترام وحدة ليبيا وسيادتها[59]ويُعد هذا الاتفاق من أبرز ثمار الوساطة الأممية في العقد الأخير، وقد استند إلى قرارات مجلس الأمن مثل القرار 2259 (2015)، الذي دعم نتائج الوساطة وأضفى عليها الشرعية الدولية[60]

أما على المستوى الإقليمي، فقد كان الاتحاد الإفريقي فاعلًا نشطًا في مجال الوساطة، مستندًا في ذلك إلى البروتوكول المتعلق بإنشاء مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي لسنة 2002، والذي ينص في المادة 6 على أن من مهام المجلس "دعم جهود الوساطة والتسوية السلمية للنزاعات في القارة". ومن أبرز الأمثلة على تدخل الاتحاد الإفريقي، وساطته في النزاع الإثيوبيالإريتري، والذي تُوج باتفاق السلام سنة 2000 في الجزائر، ثم وساطته الحديثة في النزاع المسلح بإقليم تيغراي، حيث لعبت شخصيات إفريقية رفيعة مثل الرئيس النيجيري الأسبق "أوباسانجو" دورًا أساسيًا في تقريب وجهات النظر بين حكومة إثيوبيا وجبهة تحرير تيغراي، مما أدى إلى توقيع اتفاق سلام مبدئي في جنوب إفريقيا سنة 20224.

وعلى المستوى الأوروبي، لعب الاتحاد الأوروبي دورًا متزايدًا في الوساطة الدولية، خاصة بعد تبنيه "وثيقة مفهوم الوساطة" سنة 2009، التي تُقر بدور الوساطة كأداة استراتيجية للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد. ومن الأمثلة البارزة، الوساطة التي قام بها الاتحاد الأوروبي في النزاع بين صربيا وكوسوفو، والتي أسفرت عن توقيع اتفاق بروكسل سنة 2013، ونص على تطبيع العلاقات بين الجانبين مع الحفاظ على الوضع القانوني لكل طرف وفق القانون الدولي

وفي آسيا، اضطلعت رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) بأدوار وساطية في أزمات إقليمية، مستندة في ذلك إلى "معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا لسنة 1976"، التي تنص في المادة 13 على أن "النزاعات التي تنشأ بين الأطراف يجب أن تُحل عن طريق الوساطة أو أي وسيلة سلمية أخرى يتفق عليها". من أبرز الأمثلة تدخل الآسيان في أزمة ميانمار بعد انقلاب فبراير 2021، حيث عُقدت عدة اجتماعات طارئة واقترحت الرابطة "توافقًا من خمس نقاط" يشمل وقف العنف وبدء حوار وطني شامل، في محاولة لاحتواء التصعيد الداخلي الخطير[61]

وتُظهر هذه الأمثلة تنوع آليات الوساطة، وتفاوت مستوياتها بين ما هو أممي وإقليمي، لكن جميعها تستند إلى مبدأ أساسي مشترك: عدم فرض الحلول، بل تيسير الوصول إليها عبر الحوار والثقة. إلا أن نجاح الوساطة يظل مرهونًا بمدى التزام الأطراف المتنازعة وجدية الوسطاء. وفي بعض الأحيان، قد تواجه الوساطة عراقيل تتعلق بعدم حياد الطرف الوسيط، أو بتضارب المصالح الجيوسياسية، مما يُقوّض فاعليتها، كما حدث في تعثر الوساطات الإقليمية في الأزمة السورية خلال السنوات الأولى للنزاع.

ومن الأمثلة الناجحة للوساطة الدولية، ما قامت به "منظمة التعاون الإسلامي" في النزاع بين بنغلاديش وباكستان بعد حرب 1971، حيث ساهمت في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين من خلال قنوات حوار غير رسمية، وهو ما يؤكد الدور الحيوي للوساطة في نزع فتيل التوترات الدولية.غير أن الوساطة ليست دائمًا فعالة، فقد تفشل بسبب انعدام الحياد، أو بسبب تباين المصالح بين الوسيط والأطراف المتنازعة، أو بسبب غياب الإرادة السياسية لحل النزاع. كما أن الوساطة تتأثر أحيانًا بالتوازنات الجيوسياسية، إذ قد تتحول إلى وسيلة للضغط أو فرض الأمر الواقع، بدل أن تكون وسيلة للحل.

المطلب الثاني: التحديات التي تواجه التسوية السلمية للنزاعات الدولية

رغم ما كرّسته الشرعية الدولية من قواعد وآليات سلمية لحل النزاعات بين الدول، فإن الواقع الدولي المعاصر يكشف عن مفارقة حادة بين المبادئ المثالية للتسوية السلمية للنزاعات كما حددها ميثاق الأمم المتحدة، وبين الوقائع الجيوسياسية المعقدة التي تعوق إنفاذ هذه المبادئ على الأرض. فبعد أكثر من سبعة عقود على إنشاء منظمة الأمم المتحدة، ورغم كثرة المبادرات الدبلوماسية والاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف، لا تزال النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية تحتل صدارة المشهد العالمي، ما يطرح علامات استفهام حول الفعالية الحقيقية للوسائل السلمية لحل النزاعات، وحول الأسباب العميقة التي تقف عائقًا أمام تطبيقها.

إن الميثاق الأممي، ولا سيما في الفصل السادس، يشدد على اللجوء إلى الوسائل السلمية لحل النزاعات، بما في ذلك المفاوضات والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية، وذلك وفقًا للمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن "على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر، أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة أو التحقيق أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية..."[62]. كما كرّست العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية هذا التوجه، مثل ميثاق الاتحاد الإفريقي لسنة 2000، وقانون الاتحاد الأوروبي بشأن الدبلوماسية الوقائية وتسوية النزاعات.

لكن على الرغم من هذا الزخم القانوني والدبلوماسي، فإن العديد من النزاعات ما تزال تشهد تعثرًا مزمنًا في جهود التسوية، ما يستدعي تحليلًا موضوعيًا للتحديات التي تواجه هذه العملية. ومن أبرز المؤشرات على ذلك: استمرار النزاع في ليبيا رغم تدخل الأمم المتحدة والعديد من الوسطاء الدوليين منذ سنة 2011، وفشل مفاوضات السلام في اليمن رغم تعدد الجولات التي رعتها الأمم المتحدة منذ 2015، إضافة إلى تفاقم النزاع في منطقة الساحل الإفريقي رغم اتفاق الجزائر الموقع في 2015 بين الحكومة المالية والحركات المسلحة.

يرجع هذا التعثر إلى جملة من التحديات البنيوية التي تعاني منها آليات التسوية السلمية، يمكن تصنيفها إلى تحديات سياسية تتعلق بغياب الإرادة السياسية والتدخلات الخارجية، وتحديات قانونية ومؤسساتية تتصل بضعف الآليات القضائية الدولية ومحدودية إلزاميتها، وتحديات واقعية وميدانية ناتجة عن طبيعة الفاعلين في النزاع، لا سيما في ظل تصاعد دور الفاعلين من غير الدول مثل الجماعات المسلحة والتنظيمات العابرة للحدود.

إن هذه الإشكالات المتداخلة تُضعف فاعلية الأدوات السلمية في احتواء النزاعات، وتدفع بعض الأطراف إلى تفضيل الخيارات العسكرية أو الأحادية بدلًا من الانخراط في مسارات تفاوضية طويلة ومعقدة، وهو ما يتناقض مع روح الميثاق الأممي والمواثيق الإقليمية التي تؤكد على أولوية السلم والحوار. لذلك، تقتضي دراسة هذه التحديات مقاربة تحليلية نقدية ترصد مختلف العوائق التي تحد من فاعلية التسوية السلمية للنزاعات، سواء من زاوية القانون الدولي، أو من زاوية الفعل السياسي والدبلوماسي المعاصر. وهو ما سيتم التطرق إليه في الفقرات الموالية.

 

الفقرة الأولى: غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة

يُعد غياب الإرادة السياسية أحد أبرز العراقيل البنيوية التي تقف في وجه التسوية السلمية للنزاعات الدولية. ذلك أن الوسائل السلمية، مهما كانت مرجعيتها القانونية أو جودتها التقنية، تظل رهينة بمدى استعداد الأطراف المتنازعة للانخراط الجدي والبنّاء في العملية السلمية. ويُقصد بالإرادة السياسية هنا مدى التزام النخب الحاكمة أو الجهات الفاعلة في النزاع بتفضيل الحلول السلمية على الخيارات العنيفة أو العسكرية، وقبولها بمبدأ التفاوض والتسوية التوافقية حتى على حساب بعض المصالح الآنية.

ويؤكد العديد من الباحثين أن التسوية لا تُبنى فقط على النصوص، بل على النيات السياسية واستعداد الأطراف المعنية لتقديم تنازلات متبادلة ضمن منطق "رابح – رابح". وهو ما يغيب في كثير من النزاعات، خاصة عندما تطغى الحسابات السيادية أو الإيديولوجية أو المصالح الاقتصادية على منطق الحوار والانفتاح. وقد أشار الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، بطرس غالي، في تقريره "جدول أعمال للسلام" (1992)، إلى أن "أية جهود دولية للسلام تبقى بلا جدوى إن لم تتوفر إرادة حقيقية لدى الأطراف المعنية بالنزاع"[63].

أمثلة توضيحية:

1.    النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي: يُعد من أبرز الأمثلة على غياب الإرادة السياسية المتبادلة، إذ رغم توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 الذي نصّ على مبدأ "الأرض مقابل السلام"، وتأسيس السلطة الفلسطينية، فإن استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ورفض بعض الفصائل الفلسطينية الاعتراف المتبادل، فضلاً عن الانقسامات الداخلية، كلها عوامل أضعفت فرص تحقيق سلام دائم. وقد أقرّت الأمم المتحدة مرارًا بأن "غياب الثقة السياسية ورفض الالتزام بالقرارات الدولية يشل أي تقدم نحو الحل"[64].

2.    النزاع في الصحراء المغربية: منذ صدور القرار 1514 للجمعية العامة عام 1960 المتعلق بمنح الاستقلال للشعوب المستعمَرة، وقرار مجلس الأمن رقم 1754 لسنة 2007، الذي دعا إلى حل سياسي واقعي ومتوافق عليه، بقيت الأطراف، وخصوصًا جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، رافضة لأي حل خارج خيار الاستفتاء، في حين طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 كحل سياسي توافقي، حظي بدعم دولي واسع، لكن غياب الإرادة السياسية لدى الطرف المقابل أبقى النزاع في حالة جمود.

3.    النزاع في كوريا: لا تزال الأزمة الكورية مثالًا على غياب الإرادة السياسية للتسوية، حيث تصر كوريا الشمالية على تطوير برنامجها النووي كوسيلة للردع، بينما ترفض الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الاعتراف بالنظام الكوري الشمالي كطرف شرعي للتفاوض السياسي الكامل، رغم عقد عدة جولات من القمم الثنائية (ترامب – كيم) دون نتائج ملموسة.

إن غياب الإرادة السياسية لا يكون دائمًا نتيجة تعنت، بل قد يكون ناتجًا عن ضعف الثقة المتبادلة، أو خوف الأطراف من فقدان الشرعية الداخلية في حال قبول التسويات. كما أن بعض الفاعلين يستغلون النزاع كوسيلة للهيمنة السياسية أو التعبئة القومية، مما يجعلهم غير مستعدين للدخول في أي مسار تفاوضي حقيقي. وقد لاحظ الباحث الأمريكي William Zartman أن "لحظة النضج للتفاوض" لا تأتي إلا عندما تصل الأطراف إلى قناعة بأن كلفة استمرار الصراع أصبحت أعلى من كلفة التسوية[65]

يتبين إذًا أن الإرادة السياسية تمثل المدخل الجوهري لنجاح أي تسوية سلمية، وأن غيابها، سواء بسبب مصالح استراتيجية أو حسابات سياسية ضيقة، يظل من أكبر العقبات التي تقف في وجه الأمن والسلم الدوليين. وهو ما يستدعي تكثيف الضغوط الدولية وابتكار أدوات ديبلوماسية قادرة على تحفيز الأطراف على التفاوض والانخراط في الحلول السلمية.

الفقرة الثانيً: تسييس المنظمات الدولية واختلال ميزان القوة وتنامي دور الفاعلين من غير الدول.

يشكّل تسييس المنظمات الدولية واختلال ميزان القوة داخلها أحد التحديات الكبرى التي تعيق فاعلية جهود التسوية السلمية للنزاعات الدولية. فمع أن هذه المنظمات، وعلى رأسها الأمم المتحدة، أنشئت بهدف المحافظة على الأمن والسلم الدوليين وضمان الحياد والعدالة، فإن الواقع العملي يُظهر أن القرارات المصيرية داخلها كثيرًا ما تتأثر باعتبارات سياسية تخدم مصالح الدول الكبرى، مما يُضعف مصداقية المؤسسات الدولية لدى بعض الأطراف المتنازعة.

ويبرز هذا الإشكال بشكل واضح في تركيبة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يحتكر خمس دول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا) حق الفيتو، وهو ما يُفضي في كثير من الأحيان إلى شلّ إرادة المجتمع الدولي تجاه بعض الأزمات المزمنة. وقد أدى استخدام الفيتو المتكرر، لا سيما من قبل الولايات المتحدة أو روسيا، إلى تعطيل قرارات حاسمة بشأن النزاعات في سوريا، فلسطين، أو أوكرانيا، مما يجعل من التسوية السلمية رهينة للتجاذبات الجيوسياسية لا للمعايير القانونية والحقوقية. فمثلًا، استخدمت روسيا حق الفيتو أكثر من 15 مرة منذ 2011 لمنع صدور قرارات تدين النظام السوري أو تفرض عقوبات عليه، وهو ما أفرغ المسار الأممي من محتواه وأضعف ثقة المعارضة السورية بالمؤسسات الدولية.

إلى جانب ذلك، ساهم اختلال ميزان القوة داخل المنظمات الإقليمية أيضًا في عرقلة الحلول السلمية، كما هو الحال في بعض تدخلات الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تُتهم أحيانًا بالانحياز لمصالح الدول الأعضاء الكبرى على حساب مقاربة متوازنة للنزاعات. مثال على ذلك، التدخل العسكري للناتو في ليبيا سنة 2011، والذي تجاوز التفويض الأممي بموجب القرار 1973، وأدى إلى انهيار الدولة الليبية، وتحوّل الأزمة من صراع داخلي إلى فوضى إقليمية.

وفي السياق نفسه، فإن تنامي دور الفاعلين من غير الدول (مثل الجماعات المسلحة، والميليشيات، والشبكات الجهادية، وحتى الشركات الأمنية الخاصة) زاد من تعقيد النزاعات المعاصرة، وجعل من آليات التسوية التقليدية غير كافية أو غير صالحة في كثير من الأحيان. فهؤلاء الفاعلون لا يعترفون غالبًا بشرعية القانون الدولي أو بسلطة المنظمات الدولية، ولا يقبلون بالجلوس إلى طاولة المفاوضات الرسمية، مما يجعل من إدماجهم في المسار السلمي أمرًا صعبًا أو مستحيلًا. ويبرز هذا الإشكال في حالات مثل:

  • جماعة بوكو حرام في نيجيريا، التي ترفض الاعتراف بالدولة المركزية ولا تقبل أي وساطة دولية.
  • جماعة الحوثيين في اليمن، الذين أصبحوا طرفًا فاعلًا بدعم إقليمي، لكنهم لا يعترفون بشرعية الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ما يجعل مسار التفاوض غير متكافئ.
  • الميليشيات المتعددة في ليبيا، التي تحكم مناطق شاسعة خارج سلطة الدولة، وتملك سلاحًا وقدرة مالية، لكنها غير ممثلة رسميًا في محادثات السلام.

وقد أكد تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي سنة 2023 أن “تعدد الفاعلين غير الحكوميين في النزاعات المسلحة يشكّل تحديًا متزايدًا أمام تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار، وضمان استدامة السلام بعد الاتفاقات[66].

تظهر هذه المؤشرات أن التسوية السلمية أصبحت لا تتطلب فقط آليات قانونية أو سياسية، بل باتت تحتاج إلى إصلاح جذري في بنية النظام الدولي، وتطوير أدوات جديدة للتعامل مع الفاعلين من غير الدول. كما تفرض ضرورة إعادة النظر في هيكلة بعض المنظمات الدولية لتكون أكثر تمثيلية وحيادًا، بما يُعيد الثقة في قدرتها على أداء أدوارها في الحياد والوساطة.

إن اختلال ميزان القوى، وتسييس المنظمات الدولية، وتنامي الفاعلين غير الحكوميين، تشكل ثلاثية معقدة تؤدي إلى تآكل فعالية آليات التسوية السلمية، وتزيد من هشاشة المقاربات التقليدية في إدارة النزاعات، مما يستوجب تفكيرًا استراتيجيًا عابرًا للحدود لإعادة بناء ثقة الدول والمجتمعات في أدوات السلام الدولي.

 

الخاتمــــــة

يتبيّن من خلال هذا البحث، وما تم التطرق إليه من عرض وتحليل لوسائل تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية، أن هذه الآليات تمثل الخيار الأنجع لضمان الاستقرار العالمي والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وفقًا لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السادس. فسواء تعلق الأمر بالتفاوض، أو الوساطة، أو التوفيق، أو التحكيم، أو اللجوء إلى القضاء الدولي، فإن هذه الوسائل توفر بدائل فعالة لتفادي اللجوء إلى العنف أو استخدام القوة، بما يتماشى مع مقاصد ومبادئ القانون الدولي.

لقد تبين أن وسائل التسوية السياسية تمتاز بالمرونة، وسرعة الإجراءات، وانخفاض التكلفة مقارنة بالوسائل القضائية، إذ تقوم في جوهرها على التراضي بين الأطراف. غير أن هذه الميزة قد تتحول إلى نقطة ضعف، حينما يكون غياب الإرادة السياسية أو تباين موازين القوى حائلاً دون التوصل إلى حلول عادلة ودائمة.

أما الوسائل القضائية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية، فتتميز بالإلزام والشرعية القانونية، حيث تصدر أحكامًا نهائية وواجبة التنفيذ، وتستند إلى مبادئ القانون الدولي العام. إلا أن واقع العلاقات الدولية أظهر أن تنفيذ هذه الأحكام قد يواجه صعوبات كبيرة، خاصة حينما تكون الأطراف المعنية من القوى الكبرى، أو عندما تتعارض الأحكام مع مصالح إستراتيجية لدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

من جهة أخرى، فقد ثبت أن التداخل بين الوسائل السياسية والقضائية في بعض القضايا يمثل واقعًا لا يمكن تجاهله، إذ كثيرًا ما تبدأ التسوية بالحوار أو الوساطة، ثم تُحال إلى القضاء الدولي حال تعثر التوصل إلى اتفاق. كما أن هذه الآليات مجتمعةً تتأثر بالعوامل السياسية والجيوإستراتيجية، التي قد تُفرغها من مضمونها القانوني والأخلاقي، خاصة في ظل تسييس المنظمات الدولية أو انحيازها لصالح قوى معينة.

وعليه، يمكن تلخيص أهم النتائج المستخلصة من هذا البحث كما يلي:

1.    إن تسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية نجحت في العديد من الحالات، لا سيما عندما لم تكن هذه النزاعات تمسّ بشكل مباشر بمصالح القوى الكبرى، بينما فشلت في حالات أخرى بسبب تعارضها مع تلك المصالح أو بسبب غياب الإرادة السياسية الفعلية.

2.    تتميز الوسائل القضائية بالاستمرارية والثبات مقارنة بالحلول السياسية، التي قد تنهار نتيجة تغير المواقف أو تصاعد حدة التوتر بين الأطراف، وهو ما يعزز أهمية تكامل هذين النوعين من الوسائل.

3.    يظل الواقع الدولي محكومًا بتأثير القوى الكبرى، وعلى رأسها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، مما يجعل النظام الدولي الحالي يعاني من اختلالات بنيوية تؤثر سلبًا على نجاعة الوسائل السلمية في تسوية النزاعات.

وانطلاقًا من هذه الخلاصات، فإن السلم العالمي لن يتحقق بشكل مستدام ما لم تُتخذ إجراءات إصلاحية عميقة على مستوى المنظومة الدولية، وهو ما يقتضي التوصيات الآتية:

1.    إصلاح نظام الأمم المتحدة، خاصة على مستوى مجلس الأمن، لضمان المساواة بين الدول الأعضاء والحدّ من ازدواجية المعايير، عبر تعديل ميثاق المنظمة بما يضمن تمثيلية أوسع وعدالة أكبر في اتخاذ القرار.

2.    تعزيز دور المنظمات الدولية والإقليمية في الوقاية من النزاعات وتسويتها، مع تفعيل آليات التنفيذ والمتابعة بشكل عادل وشفاف.

3.    إقرار نظام جزاءات دولية فعّال يطال كل دولة تلجأ إلى استخدام القوة خارج إطار الشرعية الدولية، أو تنتهك قواعد القانون الدولي العام، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي.

وفي الختام، فإن بناء نظام دولي أكثر عدالة، قائم على احترام سيادة الدول والمساواة بينها، يبقى شرطًا أساسيًا لإرساء سلام دائم ومستدام، وهو ما لن يتحقق إلا بتضافر الإرادة السياسية، وتعزيز الشرعية القانونية، وتفعيل التضامن الدولي الحقيقي.

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع المعتمدة :

[1] د.نادر أحمد أبو شيخة: أصول التفاوض، الطبعة الثامنة، 2016/ عمـان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ص19-22.

[1] د.عبد الكريم عوض خليفة: تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية دراسة في ضوء أحكام الفضاء الدولي، طبعة ،2015 الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر و التوزيع، ص 20.

[1] مفتاح عمر حمد درباش: العلاقة بين محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن في التسوية السلمية للمنازعات وحفظ السلم و الأمن، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه ،كلية القانون كلية الدارسات العليا، جامعة الخرطوم ، السودان. 2014 ص48.

[1] أحمد الهادي كركوب: الطرق الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية، مجلة الأكاديمية للعلوم الإنسانية و الاجتماعية، العدد 5 ديسمبر، 2013 ص 24.

[1] د. نوري مرزه جعفر: المنازعات الإقليمية في ضوء القانون الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر ص 90-92 بتصرف.

[1] حساني خالد: مدخل إلى حل النزاعات الدولية، بلقيس دار البيضاء- الجزائر، 2011، ص .25-27.

أحمد الهادي كركوب: الطرق الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية، مرجع سابق. ص33.

[1] المعتز بالله محمد محمد نور الدين: دور الوسائل الدبلوماسية في تسوية المنازعات الدولية، https://journals.ajsrp.com/index.php/jeals

[1] عمر أبوعبيدة الأمين عبد االله: تسوية المنازعات الأفريقية بالطرق السلمية بالتركيز علي القرن الإفريقي، رسالة دكتوراه في القانون، كلية الدراسات العليا، جامعة النيلين، سنة 2014،ص 53.

[1] دنيا الأمل إسماعيل: المساعي الحميدة في حل النزاعات الدولية الخلاف الحدودي السعودي القطري دراسة حالة، الحوار المتمدن، العراق، كردستان، 2010org.ahewar.m.www .

وسائل وطرق تسوية النزاعات الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي: مجلة PERDANA . على موقع: https//perdanajournal .com/

[1] عمر سعد الله : قانون المجتمع الدولي المعاصر،  الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر2003.

[1] نصت المادة الثانية من اتفاقية لاهاي لعام 1907 أنه" في حال نشوء خلاف أو نزاع خطير توافق الدول المتعاقدة، قبل اللجوء إلى السلاح أن تنشد بقدر ما تسمح به الظروف، المساعي الحميدة أو الوساطة من قبل دولة أو أكثر ".

[1] د. الشافعي محمد البشير: القانون الدولي العام في السلم والحرب، بدون طبعة، الإسكندرية، المعارف للتوزيع 1999، ص 544-545.

حماد كمال: النزاعات الدولية، الدار الوطنية للدراسات والنشر، لبنان 1997، ص136.

[1] محمد المجذوب، القضاء الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان،2009 ص27.

[1] د. إسهام عبد الله الارياني: الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية: دراسة حالة اليمن. مجلة علمية فصلية محكمة، العدد18، مارس 2021، ص532.

[1] إعلان مانيلا بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، 1982

[1] ميثاق الأمم المتحدة (Charter of the United Nations)

[1] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 377 (الاتحاد من أجل السلم)

·  إبراهيم البيومي غانم، محكمة العدل الدولية واختصاصاتها القضائية والاستشارية، دار الشروق، القاهرة، 2014.

·  يحيى الشامي، طرق وآليات حل النزاعات الدولية: دراسة في القانون الدولي، ص. 154-155، 2016.

·  كرم بكري، إجراءات حل النزاعات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002، ص. 241.

·  إبراهيم بن حياني، الوسائل السلمية لحل النزاعات الدولية في ضوء أحكام القانون الدولي، الطبعة الثانية، 2017، ص. 123-124.

·  ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما المواد: 2، 33، 38، 41، 92، 96.

·  إعلان مانيلا بشأن التسوية السلمية للنزاعات الدولية، الأمم المتحدة، 1982.

·  اتفاقية فيينا لعام 1975، بشأن تمثيل الدول في علاقاتها مع المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي.

·  تقرير محكمة العدل الدولية لسنة 2005-2006.

·  PERDANA Journal، حول وسائل التحقيق في النزاعات الدولية، ص. 81.
https://perdanajournal.com

·  موقع مركز الجزيرة للدراسات – دراسات حول دور المنظمات الدولية في النزاعات.
https://studies.aljazeera.net

[1]  مجلة السياسة الدولية، العدد 203، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2016.

[1] Oscar Schachter, International Law in Theory and Practice, Martinus Nijhoff Publishers, 1991, p. 250.

[1]  نص اتفاق الصخيرات (Libyan Political Agreement), 2015، متاح على موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL).

[1]  United Nations Security Council Resolution 2259 (2015), available at: https://undocs.org/S/RES/2259(2015)

 

 

 

الفهرس

مقدمــــــــــة. 2

المبحث الأول: الآليات الدبلوماسية والسياسة لتسوية النزاعات الدولية. 5

المطلب الأول: الآليات والأدوات الدبلوماسية لتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية. 5

الفقرة الأولى: المفاوضات والمساعي الحميدة. 6

الفقرة الثانية: الوساطة والتحقيق والتوفيق. 12

المطلب الثاني : الاليات والوسائل السياسية لتسوية النزاعات الدولية. 20

الفقرة الأولى : دور الأمم المتحدة في تسوية النزاعات الدولية . 21

1: الاختصاص القضائي. 24

2: الاختصاص الاستشاري.. 24

:3القانون الذي تطبقه محكمة العدل الدولية. 25

الفقرة الثانية : دور المنظمات الإقليمية في تسوية النزاعات الدولية. 26

المبحث الثاني: الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية. 33

المطلب الأول: التفاوض والوساطة كوسيلتين سلميتين لتسوية النزاعات الدولية. 34

الفقرة الأولى: التفاوض كآلية أساسية لحل النزاعات الدولية. 34

الفقرة الثانية: الوساطة كآلية لدعم العملية التفاوضية. 35

المطلب الثاني: التحديات التي تواجه التسوية السلمية للنزاعات الدولية. 37

الفقرة الأولى: غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة. 39

الفقرة الثانيً: تسييس المنظمات الدولية واختلال ميزان القوة وتنامي دور الفاعلين من غير الدول. 40

الخاتمــــــة. 42

قائمة المراجع المعتمدة : 44

 

 



[1] د.نادر أحمد أبو شيخة: أصول التفاوض، الطبعة الثامنة، 2016/ عمـان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ص19-22.

[2] د.عبد الكريم عوض خليفة: تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية دراسة في ضوء أحكام الفضاء الدولي، طبعة ،2015 الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر و التوزيع، ص 20.

[3] مفتاح عمر حمد درباش: العلاقة بين محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن في التسوية السلمية للمنازعات وحفظ السلم و الأمن، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه ،كلية القانون كلية الدارسات العليا، جامعة الخرطوم ، السودان. 2014 ص48.

[4] أحمد الهادي كركوب: الطرق الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية، مجلة الأكاديمية للعلوم الإنسانية و الاجتماعية، العدد 5 ديسمبر، 2013 ص 24.

[5] د. نوري مرزه جعفر: المنازعات الإقليمية في ضوء القانون الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر ص 90-92 بتصرف.

[6] حساني خالد: مدخل إلى حل النزاعات الدولية، بلقيس دار البيضاء- الجزائر، 2011، ص .25-27.

[7] د.نادر أحمد أبو شيخة: أصول التفاوض، الطبعة الثامنة، 2016/ عمـان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ص23-24.

[8] كمال حماد: النزاعات الدولية، دراسة قانونية دولية في علم النزاعات، الدار الوطنية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ،1998 ص78.

[9] محمد المجذوب، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان،1994 ص684.

[10] أحمد الهادي كركوب: الطرق الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية، مرجع سابق. ص33.

[11] المعتز بالله محمد محمد نور الدين: دور الوسائل الدبلوماسية في تسوية المنازعات الدولية، https://journals.ajsrp.com/index.php/jeals

[12] عمر أبوعبيدة الأمين عبد االله: تسوية المنازعات الأفريقية بالطرق السلمية بالتركيز علي القرن الإفريقي، رسالة دكتوراه في القانون، كلية الدراسات العليا، جامعة النيلين، سنة 2014،ص 53.

[13] دنيا الأمل إسماعيل: المساعي الحميدة في حل النزاعات الدولية الخلاف الحدودي السعودي القطري دراسة حالة، الحوار المتمدن، العراق، كردستان، 2010org.ahewar.m.www .

[14] عبد الحميد العوض القطيني محمد: الوسائل السلمية لتسوية النزاع الدولي، رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في القانون، جامعة شندي، جمهورية السودان، سنة،2016 ص131 .

[15] بن محي الدين إبراهيم: دور هيئة الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية التي تهدد الأمن و السلم الدوليين، دراسة قانونية، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وهران 2، سنة 2017 ص 123-124.

[16] سهيل حسين الفتلاوي: تسوية المنازعات الدولية، الطبعة الأولى368، 2014 بغداد - الصرافية، الذاكرة للنشر  والتوزيع،ص158-159.

[17] وسائل وطرق تسوية النزاعات الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي: مجلة PERDANA . على موقع: https//perdanajournal .com/

[18] عمر سعد الله : قانون المجتمع الدولي المعاصر،  الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر2003.

[19] نصت المادة الثانية من اتفاقية لاهاي لعام 1907 أنه" في حال نشوء خلاف أو نزاع خطير توافق الدول المتعاقدة، قبل اللجوء إلى السلاح أن تنشد بقدر ما تسمح به الظروف، المساعي الحميدة أو الوساطة من قبل دولة أو أكثر ".

[20] د. الشافعي محمد البشير: القانون الدولي العام في السلم والحرب، بدون طبعة، الإسكندرية، المعارف للتوزيع 1999، ص 544-545.

[21] د. الشافعي محمد البشير: القانون الدولي العام في السلم والحرب، مرجع سابق، ص 545.

[22] مساعد حساني خالد: مدخل إلى حل النزاعات الدولية، مرجع سابق، ص36-37.

[23] د. سهيل حسين الفتلاوي: تسوية المنازعات الدولية، مرجع سابق، ص 156-166

[24] د.عبد الكريم عوض خليفة، تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ، دراسة في ضوء أحكام القضاء الدولي، طبعة 2015 الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع،  ص 24.

[25] وسائل وطرق تسوية النزاعات الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي: مجلة PERDANA  ص 81. على موقع: https//perdanajournal .com

[26] مساعد حساني خالد: مدخل إلى حل النزاعات الدولية، المرجع السابق، ص 4.

 

[27] د. سهيل حسين الفتلاوي: القانون الدولي العام، مكتب المصري لتوزيع المطبوعات، القاهرة، 2002، ص241.

[28] حماد كمال: النزاعات الدولية، الدار الوطنية للدراسات والنشر، لبنان 1997، ص136.

[29] محمد المجذوب، القضاء الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان،2009 ص27.

[30] د. إسهام عبد الله الارياني: الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية: دراسة حالة اليمن. مجلة علمية فصلية محكمة، العدد18، مارس 2021، ص532.

[31] يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى مجموعة من الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف التي أبرمتها دول البلطيق( إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) مع بعضها أو مع قوى إقليمية ودولية خلال فترات مختلفة من القرن العشرين خصوصا في فترة ما بين الحربين العالميتين، أو بعد الحرب الباردة.

[32] معاهدة لوكارنو هي مجموعة من الاتفاقيات  الدولية وقعت في مدينة لوكارنو بسويسرا في أكتوبر 1925، وهدفت إلى تحقيق السلم والاستقرار في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الأولى، خاصة بين ألمانية وفرنسا وبلجيكا. وانهارت فعليا مع صعود هتلر إلى الحكم عام 1933.

[33] أبو بكر منيرة: العلاقة بين العلاقات الدبلوماسية والعلاقات القنصلية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة1، 2013. ص47.

[34] عطا محمد صالح زهرة : في النظرية الدبلوماسية، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن/ عمان، 2004، ص 165.

[35] علي صادق أبوهيف: القانون الدولي العام، منشأة المعارف،الإسكندرية1993، ص 737 - 738 -739.

[36] اتفاقية جنيف تم التوقيع عليها في 1928م ودخلت حيز التنفيذ في نفس العام، وتنص على الأساليب والوسائل السياسية في تسوية
المنازعات الدولية والتي أقرها الموقعون على الاتفاقية، للمزيد أنظر برتوكول جنيف، ويكبيديا الموسوعة الحرة،
ar.wikipedia.org.

[37] شفيق عبد الرزاق السامرائي: الدبلوماسية، الجامعة المفتوحة، ليبيا 2002، ص318.

[38] عبد الحميد العوض القطيني محمد: (رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في القانون)، الوسائل السلمية لتسوية النزاع الدولي، جامعة شندي (كلية الدراسات العليا)، يوليوز 2016،ص 154 - 155.

[39] نبيل أحمد حلمي: التوفيق كوسيلة سلمية لحل النزاعات الدولية في القانون الدولي، دار النهضة العربية، مصر الطبعة الأولى 1983، ص311.

[40] إعلان مانيلا بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، 1982

[41] ميثاق الأمم المتحدة (Charter of the United Nations)

[42] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 377 (الاتحاد من أجل السلم)

[43] - المادة (2) الفقرة (3) من ميثاق الأمم المتحدة

[44] مثاق الأمم المتحدة المادة40

[45] ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية

[46]   إبراهيم البيومي غانم، محكمة العدل الدولية واختصاصاتها القضائية والاستشارية، دار الشروق، القاهرة، 2014.

[47]  ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، 1963.

[48]  مجلة السياسة الدولية، العدد 203، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2016.

[49] https://au.int

[50] Website for SADC, Protocol on Politics, Defence and Security Co-operation, Obtained from it :http://www.sadc.int/Key-/documents/protocols/ protocol-on-politics-defence-and-security-cooperation.

[51] البشير الكوت، المنظمات الإقليمية الفرعية في إفريقيا دراسة رزبللأ المنظمات ، ليبيا: المركز العالمي للدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر2008، ، ص.148

[52] هالة جمال ثابت "، الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا أفاق، تحرير محمد عاشور واحمد علي سالم ، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، 2005 ، ص421

[53] www-oas-org.translate.goog/

[54] مركز الجزيرة للدراسات: https://studies.aljazeera.net]

[55] أحمد عبد الرحمن، منظمات الأمن الإقليمي ودورها في تسوية النزاعات الدولية، مجلة العلوم السياسية والقانون، العدد 18، 2019.

[56]  ميثاق الأمم المتحدة، المادة 33، الفقرة 1، منشور على موقع الأمم المتحدة www.un.org.

[57] عبد العزيز عبد الله، التسوية السلمية للنزاعات الدولية في إطار القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2012، ص. 112

[58] Oscar Schachter, International Law in Theory and Practice, Martinus Nijhoff Publishers, 1991, p. 250.

[59]  نص اتفاق الصخيرات (Libyan Political Agreement), 2015، متاح على موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL).

[60]  United Nations Security Council Resolution 2259 (2015), available at: https://undocs.org/S/RES/2259(2015)

[61] Treaty of Amity and Cooperation in Southeast Asia, 1976, Article 13; ASEAN Chair Statements, 2021, Jakarta.

[62] ميثاق الأمم المتحدة، المادة 33، منشور في الموقع الرسمي للأمم المتحدة: https://www.un.org/ar/about-us/un-charter

[63]   Boutros Boutros-Ghali, An Agenda for Peace: Preventive Diplomacy, Peacemaking and Peace-keeping, United Nations, 1992.

[64]  United Nations General Assembly, Resolutions on the Situation in the Middle East, 1993–2023.

[65] Zartman, I. William. Ripeness and Conflict Resolution: A Review and Critique, The Fletcher Forum of World Affairs, Vol. 19, 1995.

[66] United Nations Security Council, Report S/2023/155, on "Non-State Armed Groups and Peace Processes", 2023.

عن الكاتب

tody24

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

tody24