الرباط، 27 أبريل 2025 - tody24
في خطوة نوعية لتعزيز البنية التحتية الوطنية، أطلق صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، يوم الخميس الماضي من العاصمة الرباط، أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش. ويُعتبر هذا المشروع، الذي يمتد على مسافة تقدر بنحو 400 كيلومتر، استثمارًا سوسيو-اقتصاديًا ضخما يسهم في تحديث وتطوير منظومة النقل الوطنية، ويعزز أفق التنمية المستدامة للمملكة.
من المتوقع أن يساهم هذا الخط في تقليص زمن التنقل بشكل جذري، حيث سيختصر المسافة بين طنجة والرباط إلى ساعة واحدة فقط، بينما سيقلل الوقت اللازم للسفر بين الدار البيضاء ومراكش إلى ساعة وربع، وبين طنجة والدار البيضاء إلى ساعة و40 دقيقة. أما الرحلة من الرباط إلى مراكش، فسوف تستغرق ساعة و40 دقيقة، ومن طنجة إلى مراكش ساعتين و40 دقيقة، محققة بذلك وفراً زمنياً كبيراً يتجاوز الساعتين في بعض الحالات.
توسيع شبكة النقل السريع يمتد ليشمل محاور هامة أخرى، مثل الربط بين العاصمة ومطار الدار البيضاء في غضون 35 دقيقة، إضافة إلى ربط الملعب الجديد ببنسليمان بشبكة السكك الحديدية فائقة السرعة، مع خطط مستقبلية لتوفير خدمة سريعة تربط بين فاس ومراكش في نحو ثلاث ساعات وأربعين دقيقة. من شأن هذه المحاور أن تساهم في ربط حوالي 59% من سكان المملكة، مما يفتح أفقًا جديدًا لتحفيز النمو الاقتصادي في العديد من القطاعات الحيوية.
رؤية اقتصادية مبتكرة
وفي إطار تفسير الأبعاد الاقتصادية لهذا المشروع، أكد يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن الخط السككي فائق السرعة يشكل استثمارًا استراتيجيًا هائلًا، حيث رُصد له غلاف مالي يصل إلى 53 مليار درهم لتشييد البنى التحتية، بالإضافة إلى 46 مليار درهم أخرى لاقتناء أكثر من 18 قطارًا جديدًا. وأشار الفيلالي إلى أن هذه المبادرة لا تقتصر فقط على تحسين النقل، بل تساهم بشكل ملموس في النهوض بالاقتصاد المحلي، لا سيما في جهة مراكش التي تُعد أقل تطورًا من الناحية الاقتصادية مقارنة ببعض المناطق الأخرى مثل الرباط أو الدار البيضاء.
وأشار الفيلالي إلى أن المشروع سيسهم في تنمية الصناعة المحلية في مراكش، بما في ذلك جذب الاستثمارات الأجنبية وإنشاء مناطق صناعية مستدامة، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية والصناعات التحويلية، مما سيحول الجهة إلى منطقة صناعية متكاملة، وهو ما يتجاوز الدور السياحي لهذه المنطقة التي كانت تعتبر محركًا أساسيًا للسياحة المغربية.
تحقيق الأهداف التنموية
من جانبه، ربط الخبير الاقتصادي محمد جدري هذا المشروع برؤية المملكة 2035، مشيرًا إلى أن المغرب يطمح إلى مضاعفة دخله الداخلي من 130 مليار دولار إلى 260 مليار دولار، وجذب 26 مليون سائح بحلول 2030. وأكد أن الاستثمار في البنية التحتية، وعلى رأسها شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة، يمثل السبيل الأمثل لتحقيق هذه الأهداف الطموحة. وأضاف أن هذا المشروع سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحويل زمن التنقل إلى منتج اقتصادي فعال، وهو ما ينسجم مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي التي تجعل لكل دقيقة قيمة اقتصادية عالية.
آفاق جديدة في الاقتصاد والسياحة
وبفضل هذا المشروع، يتوقع أن يزيد الإنفاق السياحي السنوي في المملكة من 140 مليار درهم إلى ما بين 200 و250 مليار درهم. كما سيخلق المشروع آلاف فرص العمل في مجالات النقل والسياحة، ويحفز إنشاء مصانع محلية لإنتاج قطع الغيار وصيانة القطارات، مما يمهد الطريق نحو صناعة وطنية متكاملة للقطارات، على غرار النجاحات التي تحققت في قطاعي السيارات والطرق.
الخطط المستقبلية
يُنفذ المشروع على مرحلتين: المرحلة الأولى تهدف إلى إتمام البُنى الفوقية بحلول عام 2025، بينما تتضمن المرحلة الثانية إتمام الربط والتطوير الشامل للخطوط بحلول عام 2030. وهو ما سيمكن الشباب المغربي من المشاركة الفعالة في بناء اقتصاد عصري ومتطور، يتماشى مع أفضل التجارب الدولية.
إلى جانب دور هذا الخط في تسريع التنقل بين مختلف مدن المملكة، فإن مشروع القنيطرة–مراكش لا يقتصر على مجرد تحسين النقل، بل يمثل حجر الزاوية في إعادة هيكلة الاقتصاد المغربي بشكل شمولي. فالمشروع يعد تحفيزًا للنمو الاقتصادي، وخلق الثروة، وتحقيق العدالة في توزيع فرص التنمية بين مختلف جهات المملكة، مما يفتح الباب لآفاق جديدة من الاستثمارات الوطنية والدولية. وفي النهاية، يُظهر هذا المشروع أن الاستثمار في النقل السريع يُعد من أنجع الوسائل لتحقيق النمو المستدام، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وبناء مستقبل يتماشى مع تطلعات المملكة في رؤيتها لعام 2035.