بقلم-رضوان الغزاوي- باحث في ماستر السياسة الدولية والدبلوماسية
يبدو
أن أقدم نزاع إقليمي في القارة الإفريقية بات على مشارف انفراج سياسي محتمل، في ظل
التحركات المكثفة التي يقودها المغرب على الساحة الدولية لحشد الدعم لمقترح الحكم
الذاتي كحل نهائي للنزاع حول الصحراء المغربية. فمنذ تقديم الرباط لهذا المقترح،
أضحى واضحا أن المملكة تسعى لإيصال رسالة قوية إلى مجلس الأمن والجمعية العامة
للأمم المتحدة، تؤكد من خلالها استعدادها لحل سياسي واقعي وعملي يحترم السيادة
الوطنية ويضمن الاستقرار الإقليمي.
غير
أن هذا المسار ووجه بتعطيلات متعمدة من أطراف إقليمية ودولية، أبرزها الجزائر
وجنوب إفريقيا، وبعض القوى الغربية كفرنسا وإسبانيا، التي لعبت أدوارا مباشرة
وأخرى غير مباشرة في كبح جهود التنمية بهذه المناطق، في محاولة للضغط على المغرب
ودفعه إلى تقديم تنازلات. إلا أن السياق الدولي اليوم لم يعد يسمح باستمرار مثل
هذا الجمود، خاصة مع تغير موازين القوى في مجلس الأمن وتزايد الاعتراف الدولي
بمغربية الصحراء.
يبقى
التساؤل المطروح والدي يحيرني بقوة اليوم هل ستقبل الجزائر فعليا بقرار مجلس الأمن
الداعي إلى حل سياسي واقعي، دائم ومتوافق عليه؟ فالمواقف الأخيرة للجزائر توحي
بإصرارها على التموقع كطرف غير معلن في النزاع، رغم محاولاتها تقديم نفسها
كـ"بلد جار مهتم بالقضية". لكن المعطيات الميدانية والديبلوماسية، بما
في ذلك دعمها المالي والعسكري والدعائي لجبهة البوليساريو، تؤكد تورطها المباشر في
إطالة أمد الصراع. وفي هذا السياق، فإن قبول الجزائر بمقررات مجلس الأمن، خصوصا
تلك التي تنوه بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي وتدعو إلى الواقعية والتوافق،
يتطلب تحولا عميقا في عقيدتها السياسية الإقليمية، وهو أمر غير مرجح في المدى
القريب، ما لم تتعرض لضغوط دولية قوية أو تغير موازين المصالح الإقليمية.
لهدا
يمكن القول إن الدبلوماسية المغربية مطالبة اليوم بتطوير أدواتها لتنتقل من
دبلوماسية دفاعية تقليدية إلى دبلوماسية هجومية ذكية وناجعة، تقوم على التوقع
والتحكم في مسار الأحداث قبل وقوعها، كما تفعل القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات
المتحدة الأمريكية. فالأخيرة لا تنتظر الأزمات حتى تنفجر لتتدخل، بل تزرع بذور
التأثير داخل الأنظمة المستهدفة، عبر دعم الفاعلين المؤثرين، وتمويل منظمات
المجتمع المدني، واختراق الإعلام والنخب، وتحريك الملفات الحقوقية والدولية. وإذا
طبقنا هذا المنطق على الحالة الجزائرية، فإن المغرب بإمكانه عبر دبلوماسية
استباقية ذكية أن يعمل على إضعاف النظام الجزائري من الداخل، ليس عبر
المواجهة المباشرة، بل من خلال عدة نقاط ولعل أبرزها :
إبراز
فشل النظام في تحقيق التنمية والحرية لشعبه..فضح فساده في المحافل الدولية..دعم
الحركات الديمقراطية داخل الجزائر بشكل غير مباشر…تعزيز الحضور المغربي داخل
المجتمع المدني المغاربي والإفريقي.
اعتقد
ان هذا التوجه ليس عدائيا بمفهومه الكلاسيكي، بل هو رد طبيعي على حرب ناعمة تخوضها
الجزائر ضد المغرب منذ عقود، تستعمل فيها الإعلام والمال والدبلوماسية والضغط
الاقتصادي وحتى الجبهات الانفصالية. كما أن دولا مثل تركيا قدمت نموذجا قويا في
هذا المجال، من خلال التغلغل الناعم داخل مناطق النزاع، وإقامة قواعد نفوذ سياسي
واقتصادي وديني وإعلامي، كما فعلت مثلا في قبرص الشمالية وأذربيجان، وسوريا، وحتى
في الساحل الإفريقي. إذن، الدبلوماسية الاستباقية لم تعد خيارا، بل أصبحت ضرورة
استراتيجية للدول التي تريد الحفاظ على سيادتها وتوسيع مجال نفوذها، والمغرب يمتلك
من الكفاءات والمؤسسات ما يؤهله للانخراط في هذا النوع من الدبلوماسية، شرط أن
يربطها برؤية بعيدة المدى، واستراتيجية متعددة الأبعاد، تشمل الدبلوماسية الرسمية
والموازية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.
في
نهاية المطاف، من الواضح أن الجزائر لن ترضى بسهولة بالحكم الذاتي كخيار استراتيجي
ونهائي لقضية الصحراء المغربية، نظرا لموقعها السياسي والاستراتيجي في النزاع.
ولكن مع ذلك، من المتوقع أن تدفع الظروف الدولية والإقليمية الجزائر إلى الدخول في
مفاوضات مع المغرب حول مشاركة إدارة المناطق الجنوبية، وهو خيار يمكن أن يوظف
لصالح الرباط بشكل ذكي وحكيم. في هذا السياق، يمكن للمغرب أن يربط بين ملف الصحراء
الغربية وقضية الصحراء الشرقية، مستغلا التوازنات الجيوسياسية والضغط الدولي، خاصة
عبر الاستعانة بالدور الفرنسي التاريخي والمستمر كطرف مؤثر في المنطقة. ففرنسا،
بحكم علاقاتها القديمة مع الجزائر والمغرب، يمكن أن تكون وسيطا أو فاعلا في دفع
الطرفين نحو حلول وسطية تضمن الاستقرار والتنمية.
لهدا
فان استثمار هذه الأوراق مع تحالف دبلوماسي محكم، واستراتيجية متعددة الأبعاد تجمع
بين الدبلوماسية الاستباقية، والحوار البناء، والحضور الدولي الفاعل، سيجعل من
المغرب الطرف القادر على صياغة مستقبل مستقر في الصحراء، وتحقيق تطلعات شعوب
المنطقة إلى السلام والتنمية.