بقلم: هناء محرز
في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، عادت أزمة المنظومة الصحية في المغرب إلى واجهة النقاش البرلماني، محمّلة بمجموعة من الأسئلة الحارقة التي وجهتها المعارضة حول واقع الصحة العمومية، ومدى صدق الحكومة في تنفيذ وعودها المتعلقة بتعميم التغطية الصحية، وتحقيق الكرامة الصحية للمواطن المغربي.
من داخل قبة البرلمان، عبّرت فرق المعارضة عن قلقها البالغ من مآل مشروع التغطية الصحية الشاملة، الذي كان من المفترض أن يكتمل نهاية سنة 2022، لكنه لا يزال متعثرًا بنسبة تغطية لم تتجاوز 75%. المعارضة تحدثت عن غياب أطباء التخدير، تعطل الأجهزة الأساسية مثل السكانير، ونقص الأمصال في المناطق النائية، ما أدى هذا الأسبوع فقط إلى وفاة أكثر من خمسة أطفال بلدغات العقارب. فهل هذه هي الكرامة الصحية التي وعدت بها الحكومة في برنامجها الانتخابي؟
النائب عبد الرحيم شهيد لم يتردد في تشبيه المستشفيات الإقليمية بمحطات طرقية، حيث يتم تحويل المرضى فورًا إلى المستشفيات الجهوية دون أي تدخل فعلي، مبرزًا أن "لا وجود لأي مستشفى إقليمي جذاب بالمغرب". أما محمد أوزين، فقد فتح ملف أسعار الأدوية المبالغ فيها، متسائلًا عن كيفية قفز ثمن الدواء بـ300% بين الجمارك والصيدليات، واصفًا الوضع بوجود "لوبيات" تتحكم في السوق.
النقاش البرلماني كشف أيضًا عن توجه حكومي مقلق نحو تفكيك الإدارات الصحية اللاممركزة، وتحويلها إلى مجموعات صحية ترابية ذات استقلال مالي، في استنساخ محتمل لتجربة الأكاديميات في التعليم، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول مصير التمويل وضمان العدالة المجالية.
رئيس فريق التقدم والاشتراكية رشيد حموني نبه إلى استنزاف القطاع الخاص لصناديق التأمين، وغياب بروتوكول علاجي موحد، مما يدفع المواطنين لتحمّل كلفة صحية باهظة في المصحات، دون تعويضات تذكر. كما أشارت فاطمة التامني إلى "مستشفيات مخنوقة، وصفقات غامضة، ومواعيد انتظار بالمئات، ودواء مقطوع"، مما يدفع المريض إلى المصحات الخاصة، حيث تنتظره فواتير "خيالية" وتعويضات هزيلة لا تسمن ولا تغني من ألم.
من جهتها، دعت النائبة نبيلة منيب إلى ضرورة استدراك النقص في البنيات والأطر الصحية، والاهتمام بذوي الأمراض العقلية الذين يُهملون في الشوارع، وطلبة الطب الذين يعيشون ظروف تكوين لا تليق بأهداف الإصلاح.
الواضح من مداخلات المعارضة أن ورش التغطية الصحية الشاملة، الذي يشكل أحد أكبر رهانات النموذج التنموي الجديد، مهدد بالفشل إذا استمرت المقاربة الحكومية الحالية المعتمدة على الخصخصة والتمويل الهش، دون تعزيز القطاع العمومي، وتحقيق العدالة الصحية الترابية.
أمام هذا الواقع، يظل السؤال المطروح: هل تملك الحكومة الإرادة السياسية الحقيقية لإنقاذ القطاع الصحي، أم أن الإصلاح مجرد عنوان بلا مضمون؟