الاربعاء 25 يونيو 2024 _____________ صالح الحصان
الإثراء بلا سبب هو قاعدة قانونية تشير إلى استفادة شخص ما على حساب آخر دون وجه حق شرعي أو قانوني. على سبيل المثال، إذا وجد شخص مبلغاً في حسابه البنكي حُول إليه بالخطأ، فهذا يُعد إثراء بلا سبب. هذه القاعدة تشمل أمثلة متعددة، ولكن يشترط لتطبيقها أن يستفيد شخص من تصرف آخر دون مقتضى، مما يعني أن الطرف الآخر يجب أن يتضرر نتيجة لهذا التصرف، وأن تكون هناك علاقة سبب ونتيجة بين الطرفين. لا تندرج في هذه القاعدة حالات مثل الثراء السريع، غسيل الأموال، الاحتيال أو الغش. يعتبر القانونيون هذه القاعدة أحد مصادر الالتزام، حيث يُعد الشخص ملتزماً تجاه الغير بأسباب متنوعة، منها الإثراء بلا سبب. يمكن بناء دعوى قضائية على أساس هذه القاعدة ضد شخص حصل على مال دون وجود عقد أو تبرع أو هبة أو إرث بين الطرفين.
في المقابل، لا يعترف الفقه الإسلامي بهذه القاعدة، وكذلك القانون الإنجليزي، وفقاً للسنهوري الذي قارن بين الفقه الإسلامي والقانون الغربي. السنهوري يوضح أن القانون الإنجليزي يعترف فقط بالالتزام الناشئ عن دفع غير المستحق، وهو تعبير يفضل استخدامه على "الإثراء بلا سبب" لأنه لا يعني بالضرورة حصول الشخص المستفيد على ثراء، بل يكفي مجرد الكسب أو الاستفادة. ويشير إلى وجود مشابهة في الفقه الإسلامي، مثل ما ورد في "كشاف القناع" بأن المال المستفاد لا يُزكى حتى يحول عليه الحول.
على أي حال، نصت المادة 144 من نظام المعاملات المدنية على هذا المبدأ، حيث يلزم من أثرى على حساب آخر بتعويضه في حدود ما أثرى به. يجب عدم الخلط بين هذا المبدأ وبين حالات أخذ المال العام أو من صندوق خزينة مستأمن عليه، والتي تصنف كخيانة أمانة أو اختلاس بحسب الحالة. من الأمثلة على تطبيق مبدأ الإثراء بلا سبب:
- استمرار مستأجر في عقار بعد انتهاء العقد يمكن أن يطالب بأجرة المثل، وإذا امتنع، يكون قد أثرى على حساب المالك دون سبب مشروع.
- مطالبة شركة تأمين مؤمن له بسداد ما زاد على قيمة الوثيقة، فإذا دفع المؤمن له المبلغ واحتفظت الشركة به دون تسليمه للطرف الثالث، فإنها أثرت بلا سبب. وقد يحدث العكس إذا أمن شخص على مركبته لدى عدة شركات تأمين ورفع لكل منها مطالبة دون إشراكهم في دفع الضرر، فيكون المبلغ الزائد على الضرر إثراء بلا سبب.
- مطالبة شركة تمويل لمستأجر سيارة بتسليم السيارة لتأخره عن السداد، ثم رفعها تنفيذ سند لأمر مع استلام السيارة.
- استفادة تاجر من اسم تجاري لتاجر آخر لتحقيق ربح على حساب التاجر الآخر.
- استفادة مطلقة من أجرة سكن رغم امتلاكها لمسكن أو حصولها على بدل سكن من جهة عملها.
ومن المسائل الأخرى، مثل:
- حق الطبيب والمحامي في الأجر رغم عدم نجاح القضية أو العملية، بناءً على بذل العناية الواجبة.
- بناء منزل على أرض يعتقد الشخص أنها له بسبب خطأ في الصك، حيث يكون ملزماً بتعويض المالك.
يمكن تطبيق هذه القاعدة على العقود بين الأطراف إذا اعترض أحدهم بأن العقد يؤدي إلى إثراء بلا سبب للطرف الآخر، حيث يمكن للمحكمة إبطال العقد أو الشرط. ومن الأمثلة الأخرى، مطالبة مستأجر بدفع أجرة إصلاح شقة مؤثثة أو دفع قيمة إصلاح أثاثها الطبيعي، حيث يكون ذلك إثراء بلا سبب للمالك.
ختاماً، الفقه الإسلامي ينص على أنه إذا دفع شخص شيئاً ظاناً وجوبه عليه، فله الرجوع على من قبضه بغير حق. يُعد الفعل النافع أساساً للدين تجاه الآخرين، والذي يعبر عنه القانون بالإثراء على حساب الغير. يقول أحد الباحثين: "الإثراء بلا سبب يحتاج إلى إثراء".