أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شركة "كوكاكولا" إلى واجهة الجدل السياسي والصحي، بعد إعلانه توصله إلى اتفاق مع الشركة يقضي باستبدال شراب الذرة عالي الفركتوز، المُستخدم في تحلية منتجاتها داخل الولايات المتحدة، بسكّر القصب الطبيعي. خطوةٌ أعلنها ترامب عبر منصته "تروث سوشال"، واعتبرها "تحولاً ممتازًا" يجعل من "كوكاكولا مشروبًا أفضل".
لكن الشركة لم تؤكّد رسميًا التغيير، مكتفيةً ببيان مقتضب أعربت فيه عن "تقديرها لحماسة الرئيس"، مشيرة إلى أنها ستعلن لاحقًا عن "منتجات جديدة".
بين الترويج الصحي والمصالح الاقتصادية
القرار المفترض سرعان ما أثار موجة ردود فعل متباينة. فعلى المستوى الزراعي، أبدت "جمعية مصفّي الذرة" في أمريكا قلقها الشديد، معتبرة أن الخطوة قد تُهدد بفقدان آلاف الوظائف، وتؤثر سلبًا على دخل المزارعين الذين يعتمدون على دعم السياسات الفدرالية المعززة لاستخدام شراب الذرة في الصناعات الغذائية منذ سبعينيات القرن الماضي.
وفي المقابل، رحّب مؤيدو النظام الغذائي "الأنظف" بالخطوة باعتبارها توجهًا نحو استخدام مواد طبيعية أكثر، رغم أن دراسات صحية حديثة تشكك في الفرق الفعلي بين شراب الذرة وسكّر القصب من حيث الأثر على الوزن وصحة القلب، مؤكدة أن المشكلة لا تكمن في نوع المحلّي، بل في الكمية المفرطة من السكّريات المضافة عمومًا.
كوكاكولا تحت المجهر الصحي
الجدل لا يقتصر على مكونات "كوكاكولا" الكلاسيكية فقط، بل يشمل أيضًا النسخ "الخالية من السكر" مثل "كوكا زيرو" و"دايت كولا"، حيث حذّرت الدكتورة إلفيرا خاتشيروفا، أستاذة الطب في جامعة بيروغوف الروسية، من مخاطر المحليات الاصطناعية كـ"الإريثريتول"، التي قد ترفع من احتمال تكوّن الجلطات وتزيد خطر الإصابة بالسكتات الدماغية.
وتعزز هذه التحذيرات ما كشفه تحقيق استقصائي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، أكد أن الشركة أنفقت ملايين اليوروهات على تمويل أبحاث ومؤتمرات طبية، في محاولة لتوجيه النقاش العلمي بعيدًا عن المخاطر الصحية المرتبطة باستهلاك منتجاتها، والتركيز بدلًا من ذلك على "أهمية النشاط البدني" كعنصر موازن لنمط الحياة الغذائي.
بين التغيير والترويج
من الناحية السياسية، يرى مراقبون أن إعلان ترامب قد لا يكون بعيدًا عن سياقات انتخابية واستقطابات داخلية، خاصة أنه سبق ووصف "كوكاكولا" سنة 2012 بأنها "مشروب قمامة"، في مفارقة واضحة مع كونه من كبار مستهلكي "دايت كولا" بشكل يومي.
ويُطرح السؤال: هل يشكّل "التعديل" المرتقب في تركيبة المشروب نقلة حقيقية نحو مشروبات أقل ضررًا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد واجهة دعائية لا تمسّ جوهر الأزمة الصحية المرتبطة باستهلاك هذه المنتجات على نطاق واسع؟
سواء جرى التغيير فعلاً أم لا، يبقى جوهر النقاش قائماً: المشروبات الغازية، بنوعيها التقليدي والخالي من السكر، تشكّل خطرًا صحيًا داهمًا، يتطلب وعيًا استهلاكيًا جماعيًا وتدخلاً تنظيميًا أشمل. فالمشكلة لا تقتصر على نوع المُحلي فقط، بل على صناعة بأكملها ترتكز على إغراق الأسواق بمنتجات غنية بالسكّريات، وسط محاولات لتجميل صورتها أكثر من معالجة الخطر الحقيقي.