جمعية رندوريف : تكتشف قبيلة بني مسارة باقليم وازان 

الاثنين 01 يناير 2024____ رضوان الغزاوي 

تعتاد جمعية رندوريف، التي مقرها في مدينة تطوان، على تنظيم رحلات إلى البرية في نهاية كل أسبوع، بهدف الاستمتاع بالطبيعة وتشجيع رياضة المشي الجبلي. ولقد لاقت فكرة هذه الرحلات ترحيبًا من قبل سكان تطاون وطنجة، وأصبحت الجمعية مركزًا جماعيًا يتمتع بفريق إداري متنوع ومتخصص في مجالات متعددة، مما أعطى دفعة جديدة لعودتها إلى الساحة بعد غياب لسنوات.

اليوم، تقدم لكم جمعية رندوريف مسارًا ليس غريبًا على المغاربة، ولكنه لم يحظَ بحقه في التاريخ. وقد ارتأت الجمعية أن تقوم بالكشف عن قبيلة بني مسارة، أو كما تُعرف تاريخيًا باسم "بني مستارة".

• التعريف بقبيلة بني مستارة  

       بني مستارة أو بني مَسَّارة -كما هي معروفة بهذا الإسم اليوم- قبيلة جبلية صنهاجية، تقع شرق مدينة وزان ضمن قبائل جبالة الممتدة على جبال الريف الغربي، ويطلق على هذه المرتفعات التي تشغلها القبيلة مع باقي القبائل المجاورة جبال الزبيب، وهي امتداد طبيعي لجبال الريف الكبرى، تحدها شرقاً قبيلة بني زروال، وغرباً مدينة وزان وقبيلتي مصمودة ورهونة، وشمالاً قبيلتي غزاوة وبني أحمد، وجنوباً قبائل بني مزگلدة وسطة وسفيان وبني مالك، ويقدر عرضها من الشمال إلى الجنوب بحوالي 50 كيلومتراً، وطولها من الشرق إلى الغرب بحوالي 100 كيلومتراً، وبذلك تشغل مساحة تقدر بـ500 كلم(5).

• نقطة الانطلاق 

تطاون، أو كما تُعرف الآن بتطوان، تعد بدايةً لمغامرات لعشاق المغامرات، حيث انطلقت قافلة رندوريف في اتجاه قبيلة بني مستارة عند حدود السابعة صباحًا بتوقيت المغرب. توقفت الحافلات الثلاث في مركز احد الغدير التابعة لإقليم شفشاون، حيث قام الفريق بجولة في السوق الأسبوعي. شخصيا، لم يكفني ما كان متاحًا على رصيف السوق، إذ دفعتني الرغبة لاستكشاف ساحة السوق الأسبوعي. في مدخل السوق، انبعثت روائح زيت الزيتون، حيث نحن الآن في موسم حصاد الزيتون. ومع التعمق في السوق، اكتشفت روائع أخرى مثل رائحة الزعتر الجبلي، ورائحة الشيبة، ورائحة الأزير، ورائحة النعناع... الخ.

• التوغل في قبائل جبالة 

  غادرنا إقليم تطاون ثم إقليم الشاون، ونجد أنفسنا الآن في إقليم وازان، الذي يتألف من 17 جماعة ترابية. حيث تبلغ مساحته 2.038.87 كيلومتر مربع، ويُقدر عدد سكانه بحوالي 300,637 وفقًا لإحصاءات السكان والسكنى لعام 2014. و تتميز منطقة إقليم وازان بإنتاجها الكبير من الزيتون، وتحظى بسمعة عالية على الصعيدين المحلي والإقليمي والوطني. يُعتبر زيت الزيتون منتجًا عالي الجودة، صحيًا، وتقليديًا، ويمثل هوية مميزة لأبناء المنطقة ذوي الأصول التراثية.

–       تبلغ المساحة المزروعة بأشجار الزيتون 64.891 هكتار وتعطي إنتاجا يقدر ب 77.870 طن / سنة

–       توجد 70 معصرة حديثة

–       توجد 306 معصرة تقليدية

إن هذا الإقليم يضم أكبر خزان مائي في المغرب والثاني في أفريقيا بعد السد العالي في مصر، ويتمثل في سد الوحدة الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 3600 متر مكعب من المياه.

نحن الآن نتجول في تراب جماعة مقريصات، حيث استمتعنا بجماليات تضارسها وتنوع أشجارها وغطاؤها الغبوي الممتع والمتنوع لمدة تقارب 48 ساعة. ونحن نتجول في جماعة مقريصات، تطرأ لحظة من الدهشة على عشاق المغامرات لدى رندوريف، يتساءلون عن هذا المكان الذي ظهر فجأة امامنا الذي يتميز بالبنايات السكنية الحضرية والمناطق الخضراء، ليظهر بعد ذلك أنها زومي، إحدى  أماكن تجمعات قبائل بني مستارة.

زومي تُعد أكبر جماعة في إقليم وازان من حيث المساحة، حيث ترتبط حدود جماعة زومي بـ 7 جماعات ترابية أخرى. وها نحن الآن نتوجه  إلى إحدى المداشير في جماعة زومي، والتي يُطلق عليها اسم "دوار الخرفان". ستكون وجبة الفطور هناك مع منتجات محلية، حيث يتضمن ذلك زيت الزيتون وبعض الحلويات المحلية.

لقد استقبلنا أهل القرية بحفاوة وترحيب كبير، ووجدنا الموائد قد تم إعدادها. لم أستطع مقاومة نفسي وأخذت مكانًا في إحدى المائدات، وأصبحت أتناول الطعام دون أن ألقي نظرة أمامي. كان كل شيء مصنوعًا يدويًا وطبيعيًا. أثناء تناول الطعام، بدأ أحد سكان المنطقة بحديثه عن تاريخ المنطقة العريق وكفاح أهلها ضد الاستعمار الفرنسي. فطلبت منه أن يسمح لي بالتمتع بوجبتي أولاً حتى تهدأ معدتي، وسأكون جاهزًا للاستماع إلى قصته بعد ذلك. كانت ردة فعله فكاهية، وقال بابتسامة: "بالصحة والراحة، وكل الزيت يقوي!"

انتهينا من وجبة الفطور، وكان من الضروري الآن رد الجميل لأحد الشخصيات العاملة في الخفاء من أجل سعادة الجميع، وهو رئيس الجمعية، السيد " سعيد بنيس" . تم تكريمه من قبل جمعية دوق الحمامة، والتي اختارت تكريمه في الطبيعة بعيدًا عن ضوضاء المنصات. قمنا بالتصفيق وتهنئته بشكل حار، قائلين له: "مبروك لك يا رجل، تستحق كل الخير !"

الآن نبدأ رحلتنا في الصعود إلى قمة جبل الدوار، المعروف أيضًا باسم جبل إيسوال، الذي كان يستخدم كموقع لثكنات الجيش الفرنسي خلال فترات الاستعمار. أكثر من 50 مشاركًا قرروا خوض هذه التجربة، حيث سنستكشف المناظر الطبيعية والتراث الذي يتميز به قبيلة مستارة. كان المسار جميلاً ومتنوعًا من حيث الغطاء النباتي.

وبما أن الفريق كبير وأعمار المشاركين مختلفة، قررت أن أرفع المستوى قليلاً حتى يتسنى لي بعض الاستمتاع بلحظات الهدوء والتأمل مع الطبيعة. قررت أن أتباع مسارًا يجمع بين الجمال والسكينة، فابتعدت عن الفريق بمسافة ليست كبيرة. على الرغم من أن الانشقاق عن الفريق قد لا يكون مناسبًا دائمًا لتجنب إحداث الارتباك بين المنظمين، إلا أنني احترمت المسافة بيني وبين الفريق.

وصلت إلى ثكنات عسكرية كانت تعود لجنود الاحتلال الفرنسي. لم يتبق منها سوى أحجار متساقطة، وتم ازاحت بعضها لاستغلال أرضها في الفلاحة. يعود تاريخ هذه الثكنات إلى فترة الاحتلال الفرنسي. وعلى الرغم من أن البعض قد يروج للهدم والضياع، إلا أن هذه الأماكن القديمة تحمل ذكريات وتاريخًا لا يمكن نسيانه.

وفي هذه اللحظة، وأنا جالس استريح، بدأت البحث عن أهم المعارك التي وقعت في هذه المنطقة. واكتشفت أن أهل منطقة بني مستارة لعبوا دورًا كبيرًا في مكافحة الاستعمار. ومن بين أهم المعارك التاريخية التي وقعت في المنطقة يتم ذكر معركة القشاشدة.

معركة القشاشدة سنة 1927م في  التاسع من شهر رمضان المعظم سنة 1345هـ، هاجمت جماعة من المجاهدين الجيش الفرنسي، وأنزلت به أشد الضربات في مكان صعب التضاريس ووعر المسالك، وكان جيش فرنسا يتكون في معظمه من الفرسان، فحاصرته الجماعة في وادي لا مخرج له، فأفنت طابورا من الجنود الفرنسيين بما في ذلك القائد العسكري للمنطقة الرائد «بوكيو»، الذي كان يسير الفيالق الحربية بقبائل جبالة، إلى جانب هذا الرائد سقط مئات الضباط وآلاف الجنود،  فكانت بذلك معركة القشاشدة أخطر معركة واجهها الجيش الفرنسي بمنطقة جبالة

لقد وصل الفريق، وبدأ أحد المرشدين المحليين في تقديم لوحة تعريفية عن هذه الثكنات العسكرية. استُخدم هذا الموقع من قبل العدو الفرنسي للسيطرة على القوافل والأسواق الأسبوعية بين القبائل.

لقد درسنا التاريخ، والآن سنواصل مسارنا في هذه الهضاب الرائعة، نوثق رحلتنا بتغريداتنا على وسائل التواصل الاجتماعي. سيأتي جيل بعدنا ويتسائل عن سبب شغفنا بقطع هذه المسافة والتعرف على منطقة مثل قبيلة بني مستارة. سيكون الفضول سببًا لهم لاستكشاف جماليات المنطقة، وسيزورون هذه المنطقة يومًا ما بأعداد كبيرة، وستصبح المنطقة مركزًا سياحيًا بفضل جهود رندوريف وحفاوة السكان المحليين.

قبيلة بني مستارة، وإن لم ينصفها التاريخ، ستجد العدالة بفضل شبابها ونسائها المكافحين. وقد وصف السوسيولوجي الفرنسي إدوارد ميشو بيلير، رئيس البعثة العلمية الفرنسية في المغرب، قبيلة بني مستارة بأنها من "أكثر القبائل شجاعة وقوة مقارنةً مع القبائل الجبلية الأخرى، أناسها لا يقهرون".

وها نحن الآن عائدين من جولتنا الرائعة والممتعة مع عائلة روندوريف. كنا نتمنى أن يطول بنا الوقت ونستكشف جبالًا أخرى مجاورة لجبل ايسوال، ولكن الوقت كان ينطبق علينا والطريق ينتظرنا بشوق. الجميع كان سعيدًا، حتى من كان يظهر عليهم بعض التعب في المسارات الأخرى، اليوم لم يظهر أحد عليهم علامات التعب، والفضل يعود إلى زيت الزيتون المحلي والخبز المحمص والحرشة البلدية.